كاتب السؤال: علي الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/٢/٢٣

ما تفسير السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حول يأجوج ومأجوج؟

الاجابة على السؤال: ٢ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/٣/٤

لقد كان عند المسلمين تفسيرات خرافيّة وغير معقولة عن يأجوج ومأجوج تحت تأثير بعض الروايات الضعيفة والموضوعة؛ كما وصفوهم بأنّهم مخلوقات غريبة ومخيفة مثل الوحوش الأسطوريّة، يكونون أكثر عددًا من سائر الناس بكثير، ويخرجون في آخر الزمان من مكان غير معروف، فلا يمرّون ببحر ولا نهر إلا ينشفون ماءه كلّه! لكنّ السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى لديه تفسير واقعيّ عنهم، وهو ما أخبرنا به بعض أصحابه، قال:

سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ -رُوحِي فِدَاهُ- يَقُولُ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قَبِيلَتَانِ مِنْ قَبَائِلِ الْمُغُولِ كَانُوا يُغِيرُونَ عَلَى قَوْمٍ فِي شَمَالِ فَارِسَ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، فَاسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِكُورَشَ، فَبَنَى لَهُمْ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ سَدًّا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا، حَتَّى إِذَا فَتَحَ سَبِيلَهُمْ مَلِكُ خوارَزْمَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ، فَأَقْبَلُوا كَالسَّيْلِ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ! قُلْتُ: وَاللَّهِ قُلْتَ قَوْلًا عَظِيمًا! قُلْتَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ أَتَى فَمَضَى؟! قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ يَأْتِي فَيَمْضِي، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ كَانُوا قَوْمًا مِنَ الْخَزَرِ أَوْ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ! قَالَ: إِنَّ قَوْمًا مِنَ الْخَزَرِ كَانُوا مُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ فَشُبِّهُوا بِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لِإِفْسَادِهِمْ، كَمَا يُقَالُ لِرَجُلٍ شِرِّيرٍ إِبْلِيسُ لِشَرَارَتِهِ، فَكُلُّ مُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَفِي كُلِّ قَرْنَيْنِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.[١]

من هنا يعلم أنّ يأجوج ومأجوج عند السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى هم المغول؛ وهذا ما يوافق القرآن والروايات المعتبرة؛ لأنّ القرآن يصف يأجوج ومأجوج بأنّهم كانوا قومًا متوحّشين أصحاب غارة ونهب في الماضي، حيث يقول: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ[٢]، وهذه صفة لم تكن بارزة ولا مشهورة في قوم كما كانت في المغول. بالإضافة إلى أنّ القرآن قد أخبر بأنّ هذا القوم سيخرجون من أرضهم مرّة أخرى، ويندفعون إلى الأراضي المختلفة مثل السيل، وهذه واقعة لا يعرف لها مصداق تاريخيّ أبرز ولا أشهر من هجوم المغول في القرن السابع بعد أن فُتحت سبيلهم من قبل ملك خوارزم، فخرجوا من أرضهم بقيادة جنكيز، واندفعوا إلى الأراضي المختلفة مثل السيل، وسوّوا كثيرًا من البلدان المعمورة بالأرض، وارتكبوا جنايات عظيمة لا يوجد لها نظير في التاريخ. الدليل على صحّة هذا التفسير أنّ يأجوج ومأجوج في القرآن قوم كانوا موجودين ومعروفين في التاريخ بصفة قوم متوحّشين يُغيرون وينهبون، وليسوا مخلوقات غريبة سيظهرون في آخر الزمان فقطّ. لذلك، فإنّ التفاسير التي تصفهم بصفة مخلوقات غريبة ومخيفة لهم جسد غير إنسانيّ لا يمكن أن تكون صحيحة؛ لأنّه لا يوجد أيّ دليل تاريخيّ أو علميّ صالح على وجود مثل هذه الوحوش في الماضي أو الحاضر. في المقابل، توجد أدلّة كثيرة على أنّ المغول كانوا معروفين في فترات مختلفة من التاريخ بأنّهم قوم متوحّشون أصحاب غارة ونهب، وكانوا يغزون الأراضي المجاورة لهم من وقت لآخر؛ كما يقال أنّ الغرض من بناء سور الصين العظيم هو حماية هذا البلد من غزو المغول؛ لأنّ المغول كانوا يعيشون في شمال هذا البلد، فأمر تشين شي هوانغ، الذي وحّد أجزاء مختلفة من الصين، ببناء سور الصين العظيم خوفًا من أن يغزو المغول الصين في أيّ وقت، وبعده استمرّ خلفاؤه في بنائه. مع أنّه لم يحقّق أيّ منهم غرضه من بناء السور؛ لأنّ السور انكسر في العديد من المواضع، وأتيحت للمغول فرصة لغزو الصين. هذا بالضبط ما فعله ذو القرنين لقوم ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا[٣]، أي لا يتكلّمون بلغته وفقًا لآيات القرآن؛ كما قال: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ۝ قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ۝ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ۝ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا[٤]. التشابه بين هذا العمل وعمل ملوك الصين يكشف عن وجود تهديد مشابه، ويدلّ على أنّ بناء السدّ بين المغول والقبائل المجاورة لهم كان عملًا شائعًا في التاريخ، وقد جاء هذا بصراحة عن عليّ عليه السلام، قال: «إِنَّ التُّرْكَ -يَعْنِي الْمُغُولَ- سَرِيَّةٌ خَرَجُوا مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُغِيرُونَ عَلَى النَّاسِ، فَرَدَمَ ذُو الْقَرْنَيْنِ دُونَهُمْ فَبَقُوا»[٥]، وهذا نصّ، ولذلك قال الضحّاك (ت١٠٥هـ): «إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ جِيلٌ مِنَ التُّرْكِ»[٦]، وقال أبو إسحاق السبيعيّ (ت١٢٧هـ): «بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ التُّرْكَ مِمَّا سَقَطَ مِنْ دُونِ الرَّدْمِ مِنْ وُلْدِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ»[٧]، وقال مقاتل بن سليمان (ت١٥٠هـ): «إِنَّمَا سُمُّوا التُّرْكَ لِأَنَّهُمْ تُرِكُوا خَلْفَ الرَّدْمِ»[٨].

ثمّ ما يعتبر خاتم الموافقة على هذا التفسير هو الرواية الواردة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التي تخبر عن هجوم يأجوج ومأجوج على البلاد الإسلاميّة في المستقبل، وتصفهم بأنّهم قوم «عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، شُهْبُ الشِّعَافِ»؛ لأنّ هذه هي الميزة الأكثر وضوحًا للأتراك المغول؛ كما جاء فيها: «إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لَا عَدُوَّ، وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، شُهْبُ الشِّعَافِ، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»[٩]. لا شكّ أنّ المراد بيأجوج ومأجوج في هذه الرواية هم الأتراك المغول؛ كما سمّوا بصراحة في رواية أخرى فيها: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا وُجُوهَهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ»[١٠]، وفي رواية أخرى: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الْعُيُونِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»[١١]، وفي رواية أخرى: «يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُونَ عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ»[١٢]، وفي رواية أخرى: «يَأْتِيكُمْ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، كَأَنَّمَا ثُقِبَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي الصَّخْرِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»[١٣]. لهذا السبب، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -حسب بعض الروايات- يحذّر من فتح الباب للأتراك المغول ويقول: «اتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَسْلُبُ أُمَّتِي مُلْكَهُمْ وَمَا خَوَّلَهُمُ اللَّهُ بَنُو قَنْطُورَاءَ»[١٤]، وكان هذا تحذيرًا لم يلتفت إليه ملك خوارزم، فتسبّب في غزو الأتراك المغول للبلاد الإسلاميّة.

بالنظر إلى هذه الأدلّة والشواهد التاريخيّة والروائيّة، لا يبقى أيّ شكّ في أنّ تفسير السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى صحيح، وأنّ المراد بيأجوج ومأجوج هم الأتراك المغول الذين غزوا البلاد الإسلاميّة. مع ذلك، حسب قول جنابه، يجوز إطلاق يأجوج ومأجوج على كلّ قوم مفسدين في الأرض تشبيهًا ومجازًا، وقد تمّ هذا الإطلاق أحيانًا، وفي كلّ قرنين قوم يفسدون في الأرض كأنّهم يأجوج ومأجوج!

↑[١] . القول ٤٣، الفقرة ٢
↑[٢] . الكهف/ ٩٤
↑[٣] . الكهف/ ٩٣
↑[٤] . الكهف/ ٩٤-٩٧
↑[٥] . تفسير مقاتل بن سليمان، ج٣، ص٥١؛ تفسير إسحاق البستي، ج١، ص١٥٤
↑[٦] . تفسير الثعلبي، ج١٧، ص٢٦٨؛ التفسير البسيط للواحدي، ج١٤، ص١٤٣؛ تفسير البغوي، ج٥، ص٢٠٥
↑[٧] . تفسير يحيى بن سلام، ج١، ص٣٤٤
↑[٨] . تفسير مقاتل بن سليمان، ج٣، ص٥٢
↑[٩] . مسند أحمد، ج٣٧، ص١٩؛ الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، ج٦، ص١٩٠؛ تفسير ابن أبي حاتم، ج٨، ص٤٦٧؛ معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني، ج٦، ص٥٨٨؛ ترتيب الأمالي الخميسية للشجري، ج٢، ص٣٦٨؛ حياة الحيوان الكبرى للدميري، ج٢، ص١٨٨؛ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ج٥، ص٦٧٥
↑[١٠] . صحيح مسلم، ج٤، ص٢٣٣؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١١٢؛ سنن النسائي، ج٦، ص٤٤؛ حديث السراج، ج٣، ص١٩٧؛ صحيح ابن حبان، ج١٥، ص١٤٦
↑[١١] . مسند أحمد، ج١٦، ص٥٠٠؛ صحيح البخاري، ج٤، ص٤٣؛ مجالس من أمالي أبي عبد اللّه بن منده، ص٣٩٥؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص٥٢١؛ دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني، ص٥٤٤؛ السنن الواردة في الفتن للداني، ج٤، ص٨٧٢؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج٩، ص٢٩٦؛ الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، ج٢، ص٢٥٨
↑[١٢] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص٢٠٠؛ مسند أحمد، ج٣٤، ص١٠٢؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١١٣؛ مسند البزار، ج٩، ص١١٨؛ صحيح ابن حبان، ج١٥، ص١٤٨؛ السنن الواردة في الفتن للداني، ج٤، ص٩٠٩
↑[١٣] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٥٠٩
↑[١٤] . المعجم الكبير للطبراني، ج١٠، ص١٨١؛ ترتيب الأمالي الخميسية للشجري، ج٢، ص٣٦٨