قال المنصور الهاشميّ الخراسانيّ في وصف خصاله لجماعة من أصحابه:

أَنَا وَالْعَدْلُ تَوْأَمَانِ، وَقَدْ كُنْتُ مُلَازِمًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُذْ كُنْتُ؛ لَمْ أَتَقَدَّمْ، وَلَمْ أَتَأَخَّرْ، وَلَمْ أَتَرَدَّدْ. أَلَا وَاللَّهِ لَوْ خَذَلَنِي النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، حَتَّى لَا يَبْقَى مَعِي تَحْتَ هَذَا الْأَشْهَبِ الدَّوَّارِ أَحَدٌ، لَمْ يُسَاوِرْنِي شَكٌّ فِي أَنَّنِي لَعَلَى هُدًى، وَهُمْ جَمِيعًا فِي ضَلَالٍ. اعْرِفُوا، أَنِّي مِنْ أُنَاسٍ لَا تَصُدُّهُمْ مُؤَاخَذَةُ حَاقِدٍ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ؛ مَقَالُهُمْ مَقَالُ الصَّادِقِينَ، وَفِعَالُهُمْ فِعَالُ الصَّالِحِينَ؛ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ أَدِلَّاءَ الضَّالِّينَ، وَيَسْعَوْنَ فِي إِحْيَاءِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ؛ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَلَا يَسْتَعْلُونَ؛ لَا يُفْرِطُونَ وَلَا يَخُونُونَ؛ لَا يَتْرُكُونَ الْحَقَّ، وَلَا يَرْكُنُونَ إِلَى الْبَاطِلِ؛ الَّذِينَ لَا يُدَنِّسُونَ الْبَالَ بِالرِّجْسِ أَبَدًا؛ لَا يَخْدَعُهُمْ تَمَلُّقُ الْمُتَزَلِّفِينَ، وَلَا يُخَوِّفُهُمْ إِعْرَاضُ الْمُعْرِضِينَ؛ لَا تَزَالُ قُلُوبُهُمْ مُحَلِّقَةً فِي الْمَحَلِّ الْأَعْلَى، وَأَلْسِنَتُهُمْ نَاطِقَةً بِالْقَوْلِ الْأَحْسَنِ. أَلَا لَا تَعْجَلُوا لِمَا هُوَ رَهِينٌ بِاللَّحَظَاتِ؛ فَإِنَّ الْفَرْخَ لَا يَطِيرُ حَتَّى يَرِيشَ، وَالصَّاعِقَةَ لَا تَرْعَدُ حَتَّى تَبْرُقَ.

شرح القول:

مقصود جنابه من هذا القول الفصيح والبليغ، الذي يعتبر ميراث آل إبراهيم وخصيصة الهاشميّين، هو أنّه لا يصانع الباطل ولا يكفّ اللسان عن فضحه وتوبيخه، وإن أدّى ذلك إلى تفرّق الناس من حوله ومعاداتهم له؛ لأنّه، على عكس الآخرين، لا يسعى إلى جمع الناس حوله بأيّ طريقة ممكنة، بل يسعى إلى جمع الناس حول المهديّ بطريقة لائقة به، وبالتالي لا يتلوّث بالكذب والتملّق والمداهنة والرشاء والإرتشاء، ومقصود جنابه من «الْأَشْهَبِ الدَّوَّارِ» هو السماء التي يغشاها الليل والنهار؛ لأنّ الأشهب ما فيه سواد وبياض، ودوران السماء دوران نجومها وشمسها وقمرها، ومقصود جنابه من قوله البديع: «أَلَا لَا تَعْجَلُوا لِمَا هُوَ رَهِينٌ بِاللَّحَظَاتِ؛ فَإِنَّ الْفَرْخَ لَا يَطِيرُ حَتَّى يَرِيشَ، وَالصَّاعِقَةَ لَا تَرْعَدُ حَتَّى تَبْرُقَ»، هو أنّه على الرغم من أنّه لا يتسامح مع الباطل، إلا أنّه لا يستطيع القيام ضدّه قبل توفّر الوسائل والأسباب اللازمة لذلك، ومن ثمّ فإنّ توقّع الناس المتعجّل لقيامه ليس صحيحًا، بل يجب عليهم الصبر والنصر حتّى يتمّ تهيئة الظروف، وإنّما قال جنابه هذا القول عندما بلغه قول بعض الجهّال الذين يتّهمونه لعدم القيام بالشكّ والجبن والمصانعة وغير ذلك ممّا هو مبرّأ منه.