كاتب السؤال: هادي هنرجو | تاريخ السؤال: ١٤٣٧/١/٢٦ |
لديّ بعض الأسئلة:
١ . ما هو التقويم المعتبر عند الإمام المهديّ؟ القمريّ أم الشمسيّ؟
٢ . هل مبدأ التاريخ القمريّ وهو هجرة رسول اللّه معتبر عنده؟
٣ . هل مبدأ السنة القمريّة وهو أوّل المحرّم معتبر عنده؟
الاجابة على السؤال: ٥ | تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/١/٢٨ |
يرجى التنبّه للنكات التالية:
١ . التقويم في الإسلام قمريّ؛ لقول اللّه تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾[١] وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[٢]، ولعلّ الحكمة في ذلك أنّه يعتمد على الرؤية، وهي ممكنة لجميع الناس بدون حاجة إلى الحساب، خلافًا للتقويم الشمسيّ؛ فإنّه يحتاج إلى الحساب، وفيه صعوبة على كثير من الناس، فأراد اللّه أن يخفّف عنهم لكي لا يكون عليهم حرج في دينهم؛ كما قال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[٣] وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾[٤]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ»[٥].
٢ . كانت العرب قبل الإسلام تؤرّخ بتواريخ كثيرة؛ فكانت حمير تؤرّخ بالتبابعة ممّن يلقّب بـ«ذو» ويسمّى بـ«قيل»، وكانت غسّان تؤرّخ بعام السدّ حين أرسل اللّه عرم السيل، وأرّخت العرب اليمانية بظهور الحبشة على اليمن، ثمّ بغلبة الفرس عليه، وأرّخت معدّ بن عدنان بغلبة جرهم للعماليق وإخراجهم عن الحرم، ثمّ أرّخوا بعام الفساد، وهو عام وقع فيه بين قبائل العرب تنازع في الدّيار فنقلوا منها وافترقوا عنها، ثمّ أرّخوا بحرب بكر وتغلب -ابني وائل- وهي حرب البسوس، ثمّ أرّخوا بحرب عبس وذبيان -ابني يغيض- وهي حرب داحس والغبراء، وكانت قبل البعثة بستّين سنة، ثمّ أرّخوا بعام الخنان، وأرّخوا بعده من مشاهير أيّامهم وأعوامهم بعام المخانق، وعام الذنائب، ويوم ذي قار، وبحرب الفجار، وهي أربع حروب ذكرها المؤرّخون، وأسندها الراوون، وأدنى ما أرّخوا به قبل الإسلام بحلف الفضول منصرف قريش من الفجار الرابع، وبحلف المطيبين وهو قبل حلف الفضول، ثمّ قبل حلف الفضول، ثمّ بعام الفيل، وهو قُبيل الإسلام[٦]. أمّا المسلمون فأرّخوا بهجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من مكّة إلى المدينة، واختُلف في من سنّ لهم ذلك على أربعة أقوال:
الأول أنّ اللّه تعالى سنّ لهم ذلك؛ قال السهيلي (ت٥٨١هـ): «إِنَّ الصَّحَابَةَ أَخَذُوا التَّارِيخَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾[٧]؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ أَوَّلَ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى شَيْءٍ مُضْمَرٍ وَهُوَ أَوَّلُ الزَّمَنِ الَّذِي عَزَّ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَعَبَدَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ آمِنًا وَابْتَدَأَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ فَوَافَقَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفَهِمْنَا مِنْ فِعْلِهِمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ أَنَّهُ أَوَّلُ أَيَّامِ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ»[٨].
الثاني أنّ جبرئيل عليه السّلام سنّ لهم ذلك، وممّا يدلّ على هذا ما روي عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام أنّه قال: «دَخَلَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ، فَوَضَعَهُ عَلَى بَطْنِهِ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ ابْنَكَ هَذَا تَقْتُلُهُ أَمَّتُكَ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً مِنْ هِجْرَتِكَ»[٩]، وروي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَخَذَتْهُ نَعْسَةٌ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِهِ، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ رِجَالًا يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ يَرُدُّونَ النَّاسَ عَلَى أَعْقَابِهِمُ الْقَهْقَرَى، فَاسْتَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾[١٠] يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ، قَالَ: يَا جِبْرِيلُ، أَعَلَى عَهْدِي يَكُونُونَ وَفِي زَمَنِي؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ مِنْ مُهَاجَرِكَ فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ عَشْرًا، ثُمَّ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ مُهَاجَرِكَ فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ خَمْسًا، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رَحَى ضَلَالَةٍ هِيَ قَائِمَةٌ عَلَى قُطْبِهَا، ثُمَّ مُلْكُ الْفَرَاعِنَةِ»[١١]. قال المجلسيّ: «هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَعْلَ مَبْدَإِ التَّارِيخِ مِنَ الْهِجْرَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمُسْتَنِدٌ إِلَى الْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ»[١٢].
الثالث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سنّ لهم ذلك، وممّا يدلّ على هذا ما روي عن الزهري أنّه قال: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّارِيِخِ يَوْمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ»[١٣]، وقال السيوطيّ في كتاب الشماريخ في علم التاريخ: «وَقَفْتُ عَلَى مَا يَعْضُدُ هَذَا، رَأَيْتُ بِخَطِّ ابْنِ الْقَمَّاحِ فِي مَجْمُوعٍ لَهُ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَفْتُ عَلَى كِتَابٍ فِي الشُّرُوطِ لِأَبِي طَاهِرِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيِّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَرَّخَ بِالْهِجْرَةِ حِينَ كَتَبَ لِنَصَارَى نَجْرَانَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ: إِنَّهُ كُتِبَ لِخَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَالْمُؤَرِّخُ إِذَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرُ تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ»[١٤].
الرابع أنّ عمر بن الخطّاب سنّ لهم ذلك بمشورة من عليّ عليه السلام، وهذا أشهر الأقوال؛ كما قال عبد الرحمن بن المغيرة: «كَتَبَ عُمَرُ التَّارِيخَ بِمَشُورَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ»[١٥]، وروى سعيد بن المسيّب قال: «جَمَعَ عُمَرُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ فَقَالَ: مَتَى نَكْتُبُ التَّارِيخَ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مُنْذُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَرْضِ الشِّرْكِ، يَعْنِي يَوْمَ هَاجَرَ، فَكَتَبَ ذَلِكَ عُمَرُ»[١٦]، وروي عن ابن عباس أنّه قال: «لَمَّا عَزَمَ عُمَرُ عَلَى التَّارِيخِ جَمَعَ الصَّحَابَةَ وَاسْتَشَارَهُمْ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَرِّخْ لِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ طَلْحَةُ: أَرِّخْ لِمَبْعَثِهِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَرِّخْ لِهِجْرَتِهِ، فَإِنَّهَا فَرَّقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى هَذَا»[١٧].
بناء على هذا، فقد وُضع التاريخ الهجريّ إمّا بإشارة من اللّه تعالى أو بإشارة من جبرئيل عليه السلام أو بإشارة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو بإشارة من عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وكلّ من هذه الحالات كافية لاعتباره.
٣ . الظاهر أنّ ابتداء السنة من المحرّم كان من الإعتبارات العرفيّة التي أمضاها الشارع، والمشهور أنّه قد تمّ اعتباره باجتهاد من الصحابة؛ كما روى محمّد بن سيرين قال: «كَانَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَامِلٌ جَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، فَقَالَ لِعُمَرَ: أَمَا تُؤَرِّخُونَ تَكْتُبُونَ: فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَذَا؟ فَأَرَادَ عُمَرُ وَالنَّاسُ أَنْ يَكْتُبُوا مِنْ مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالُوا: مِنْ عِنْدِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ قَالُوا: مِنْ أَيِّ شَهْرٍ؟ فَأَرَادُوهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ بَدَا لَهُمْ فَقَالُوا: مِنَ الْمُحَرَّمِ»[١٨]، وروي أنّه أيضًا كان بإشارة من عليّ عليه السلام؛ كما قال سبط بن الجوزيّ: «اخْتَلَفُوا فِي الشُّهُورِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرِّخْ لِرَجَبٍ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَقَالَ طَلْحَةُ: مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ شَهْرُ الْأُمَّةِ، وَقَالَ عَلِيٌّ: مِنَ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ السَّنَةِ، وَهُوَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا أَشَارَ بِالْمُحَرَّمِ عُثْمَانُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ»[١٩]، وقال ابن حجر في فتح الباري: «إِنَّمَا أَخَّرُوهُ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الْإِبْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ»[٢٠]، وقال السيوطيّ: «وَقَفْتُ عَلَى نُكْتَةٍ فِي جَعْلِ الْمُحَرَّمِ أَوَّلَ السَّنَةِ، فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحْصِنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالْفَجْرِ﴾ قَالَ: <الْفَجْرُ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ هُوَ فَجْرُ السَّنَةِ>»[٢١]، وقال ابن حجر في الأمالي المطلقة: «هَذَا مَوْقُوفٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي تَأْخِيرِ التَّارِيخِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ بَعْدَ أَنِ اتَّفَقُوا عَلَى جَعْلِ التَّارِيخِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّمَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ»[٢٢]. نعم، روي عن أهل البيت أنّ أوّل السنة شهر رمضان؛ كما روى هشام بن سالم عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «رَأْسُ السَّنَةِ شَهْرُ رَمَضَانَ»[٢٣]، وروى عنه عمرو الشاميّ أنّه قال: «﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾[٢٤]، فَغُرَّةُ الشُّهُورِ شَهْرُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَقَلْبُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ»[٢٥]، وروى عنه رفاعة أنّه قال: «رَأْسُ السَّنَةِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يُكْتَبُ فِيهَا مَا يَكُونُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ»[٢٦]، وفي رواية أخرى: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ هِيَ أَوَّلُ السَّنَةِ وَهِيَ آخِرُهَا»[٢٧]، ولكنّ الأظهر أنّ مراده بأوّليّة شهر رمضان أفضليّته، ويدلّ على هذا ما روي عنه أنّه قال في قول اللّه عز وجل: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾: «الْمُحَرَّمُ وَصَفَرٌ وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ وَرَبِيعٌ الْآخِرُ وَجُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةُ وَرَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ»[٢٨]، فبدأ بالمحرّم، وروي عن عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام أنّه قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الْمُحَرَّمِ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا فَرَغَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْإِلَهُ الْقَدِيمُ وَهَذِهِ سَنَةٌ جَدِيدَةٌ» إلى آخر الدّعاء[٢٩]، وهذا إن صحّ يدلّ على أنّ المحرّم كان أوّل السّنة عند النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.