كاتب الشبهة: علي الراضي تاريخ الشبهة: ١٤٣٧/١/٢٤

١ . من الصفحة ١٧٢ إلى الصفحة ١٧٤ من كتاب «العودة إلى الإسلام» قد تركز الكلام على عصمة الأنبياء. يعتقد الشيعة الإماميّة بأنّ الأنبياء كانوا معصومين من أيّ نوع من الخطأ والذنب كبيرة كان أو صغيرة وعمدًا كان أو سهوًا وقبل النبوّة كان أو بعدها ويعتقدون بأنّ ما حكي عن هؤلاء الكرام من الذنب والإستغفار كان من باب ترك الأولى. ما هو رأي جنابه في هذه العقيدة؟

٢ . في الصفحة ١٧٣ قد أشير إلى أنّ داوود عليه السلام سأل أخاه أن يطلّق امرأته الوحيدة ليتزوّج بها عندما كانت له تسع وتسعون امرأة. السؤال الذي يعرض هو كيف يمكن أن يسأل نبيّ معصوم أخاه مثل هذا السؤال؟! أيّ تبرير يوجد لهذا العمل؟! في تفاسير الشيعة لم يذكر هكذا، بل روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنّ داوود عليه السلام لمّا تسوّر الرجلان حائط بيته ودخلا عليه بسرعة لطلب القضاء قلق ورغم أنّه قضى بالحقّ إلا أنّه بسبب القلق لم يلتزم بمبادئ القضاء، فاستمع إلى المدّعي ولم يستمع إلى المتّهم. فلمّا انتبه لذلك استغفر. يرجى توضيح المزيد حول هذا الموضوع.

الاجابة على الشبهة: ٠ تاريخ الاجابة على الشبهة: ١٤٣٧/١/٢٨

يرجى الإلتفات إلى النقاط التالية:

١ . لا أحد غير اللّه منزّه عن أيّ سهو وخطأ ونسيان ولذلك، تنزيه الأنبياء عن ذلك يعدّ غلوًّا؛ لأنّ الأنبياء ليسوا آلهة، بل هم بشر والبشر مهما كان مؤمنًا وصالحًا ليس في مأمن من السهو والخطأ والنسيان بمقتضى ضعفه المتأصّل؛ كما قال اللّه: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ[١] وقال: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا[٢]. لهذا أخبر كتاب اللّه بصراحة عن سهو الأنبياء وخطئهم ونسيانهم ومن الواضح أنّ له غرضًا من هذا الإخبار وهو منع تنزيه الأنبياء كتنزيه اللّه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:

«سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ عِصْمَةِ الْأَنْبِياءِ وَما فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَفْيِها، فَقالَ: إِنَّ الْقُرْآنَ لا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تُزَكُّوا عَلَى اللَّهِ أَحَدًا».

من هنا يعلم أنّ تأويل آيات من القرآن أخبرت بصراحة عن سهو الأنبياء وخطئهم ونسيانهم هو من الأمثلة الواضحة على التفسير الباطني والتفسير بالرأي الذي يتنافى مع حجّيّة ظواهر القرآن.

بالطبع لا يعتبر السهو والخطأ والنسيان معصية؛ لأنّ المعصية هي مخالفة أمر اللّه ونهيه مع القصد والإلتفات، في حين أنّ السهو والخطأ والنسيان ليس فيه قصد ولا التفات ولهذا لا ينبغي المؤاخذة عليه؛ كما قال: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ[٣]؛ كنسيان الأعمال الشخصيّة أو الخطأ في الأعمال المباحة أو الإستعجال في الأعمال السائغة أو العجز عن الأعمال العادية أو الغفلة من الأشياء غير الضروريّة أو القصور في الأعمال اللاإراديّة من قبيل البقاء نائمًا في أوقات اليقظة والتي جاء ذكرها في الكتاب القيّم «العودة إلى الإسلام»[٤] على سبيل الحصر أو المثال. نعم، إنّ الأنبياء معصومون من السهو والخطأ والنسيان في تلقّي الوحي وتبليغه وكذلك البقاء على ذلك في تطبيق الوحي؛ لأنّ السهو والخطأ والنسيان في تلقّي الوحي وتبليغه ناقض لغرض اللّه من إرسالهم؛ كما قال: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ۝ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ[٥] والسهو والخطأ والنسيان في تطبيق الوحي سوف يزول في أسرع وقت ممكن بتذكير من اللّه؛ كما قال: ﴿وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[٦] وقال: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا[٧] وقال: ﴿قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا[٨]. لهذا فإنّ إمكان سهو الأنبياء وخطئهم ونسيانهم لا يمنع الإطمئنان بأقوالهم وأفعالهم؛ لأنّه لو كانت أقوالهم وأفعالهم ناشئة من سهوهم وخطئهم ونسيانهم، فإنّهم يخبرون به قبل وقت الحاجة وإذا لم يخبروا به فإنّ أقوالهم وأفعالهم حجّة.

٢ . كانت «النعجة» من الكنايات الشائعة للإشارة إلى المرأة[٩] ولذلك، إنّ ظهور الآية في هذا المعنى لا يمكن إنكاره وظاهر القرآن كما تبيّن في كتاب «العودة إلى الإسلام»[١٠] حجّة والتنازل عنه تمسّكًا بخبر الواحد غير ممكن؛ خاصّة إذا كان خبرًا ضعيفًا ومتناقضًا مثل الخبر الذي أشرتم إليه؛ لأنّ الخبر الذي أشرتم إليه حاول بتكلّف ظاهر ومناف لأسلوب القرآن وسياقه الفرار من محذور ولكنّه وقع في محذور أكبر! نظرًا إلى أنّ إصدار الحكم قبل الإستماع إلى دفاع المتّهم، ظلم واضح وحرام، في حين أنّ اقتراح طلاق الزوجة على صديق للتزوّج بها بعد انقضاء عدّتها ليس بحرام وإن كان مكروهًا؛ لأنّ طلاق المرأة والتزوّج بها بعد انقضاء عدّتها كلاهما جائزان واقتراح عمل جائز لا يعدّ حرامًا؛ خاصّة بالنظر إلى أنّه من الممكن أن كان داوود عليه السلام رأى فيه مصلحة؛ لأنّ في الماضي، كان النكاح باعتبار بعض المصالح السياسيّة كصلة قوم أو منع حرب أو تحصيل سلام لا سيّما بين الحكّام شائعًا، لدرجة أنّه ليس من المستبعد أن يكون بعض أنكحة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من هذا النوع. من هنا يعلم أنّ تفاسير الشيعة في هذا الصّدد هي الوقوع في البئر خوفًا من الحفرة وتفسير العلامة هو في غاية المتانة.

↑[١] . إبراهيم/ ١١
↑[٢] . النّساء/ ٢٨
↑[٣] . البقرة/ ٢٨٦
↑[٥] . الأعلى/ ٦ و٧
↑[٦] . الأنعام/ ٦٨
↑[٧] . الكهف/ ٢٤
↑[٨] . الكهف/ ٧٣
↑[٩] . انظر: العين للخليل بن أحمد، ج١، ص٢٣٢؛ الزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري، ص٢٢٣؛ لسان العرب لابن منظور، ج٢، ص٣٨٠؛ نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري، ج١٤، ص٦٤؛ تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي، ج٣، ص٥٠١