كاتب السؤال: علي الراضي تاريخ السؤال: ١٤٣٧/١/٧

ما حكم رئاسة المرأة ومديريّتها؟ هل يجب علينا أن نعصي الرئيسة والمديرة؟

الاجابة على السؤال: ١ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٧/١/٩

من المكروه اشتغال المرأة بعمل يقتضي كثرة معاشرتها لغير ذي محرم، وإن كان مقتضيًا للإثم فهو حرام بلا شكّ، ولكن بغضّ النظر عن هذا، ليس هناك مانع من رئاستها إذا كانت رشيدة، ولا بأس بطاعتها فيما لا يخالف الشرع؛ كما روي أنّ خديجة رضي اللّه عنها كانت امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرّجال في مالها، وتضاربهم إيّاه بشيء تجعله لهم منه، فلمّا بلغها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرًا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجّار، فقبله منها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وخرج في مالها ذلك، فعمل لها[١]، وروي أنّه كان يذكرها بعد ذلك فيقول: «مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةِ أَجِيرٍ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ»[٢].

نعم، روى أبو بكرة، قال: «لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»[٣]، وهذا -إن ثبت- يدلّ على كراهية رئاسة المرأة، لا سيّما فيما يتعلّق بالملك، ولكنّه يقصر عن إثبات حرمتها، لما في كتاب اللّه تعالى من قصّة بلقيس؛ فإنّه ذكر ملكها ووصفه بالحسن والإنتظام، إذ قال: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ[٤]، وقال: ﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ[٥]، وأشار إلى حسن عقلها وتدبيرها في أربعة مواضع: الأول أنّها أكرمت كتاب سليمان عليه السلام: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ[٦]، وكان هذا من عقلها، والثاني أنّها لم تكن مستبدّة، وكانت تستشير ملأها: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ[٧]، وكان هذا من عقلها، والثالث أنّها لم تقبل ما أشاروا به من محاربة سليمان عليه السلام، بل اختارت الصلح والتودّد بإرسال هديّة، نظرًا لعاقبة الأمر ومصلحة العامّة: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ۝ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ[٨]، وكان هذا من حسن تدبيرها، والرابع أنّها أجابت دعوة سليمان عليه السلام وأتته مسلمة بعد أن عرفت أنّه نبيّ لا يريد الدّنيا: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[٩]، وكان هذا من عقلها، ولا شكّ أنّ القوم الذي ولّوها أمرهم أفلحوا؛ لأنّها أسلمت وأدخلتهم في الإسلام، ولو أنّهم ولّوا أمرهم إلى رجل من الملأ لكانوا من الهالكين؛ لأنّهم أشاروا بمحاربة سليمان عليه السلام، وهذا دليل على أنّ الحديث غير ثابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما قال أبو بكر البزار (ت٢٩٢هـ): «لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ غَيْرُ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[١٠]، ولو كان ثابتًا فإنّه على الغالب، وليس على الإطلاق، ولذلك لو وُجدت امرأة مسلمة لديها ما يكفي من العقل والتدبير فلا مانع من رئاستها، إن لم يكن هناك مانع آخر.

↑[١] . انظر: سيرة ابن إسحاق، ص٨١؛ سيرة ابن هشام، ج١، ص١٧١؛ الطبقات الكبرى لابن سعد، ج١، ص١٠٧؛ أنساب الأشراف للبلاذري، ج١، ص٩٧؛ تاريخ الطبري، ج٢، ص٢٨٠.
↑[٢] . مصنف عبد الرزاق، ج٥، ص٣٢٠؛ المنتخب من كتاب أزواج النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للزبير بن بكار، ص٢٤؛ الذرية الطاهرة للدولابي، ص٢٨؛ دلائل النبوة للبيهقي، ج١، ص٩٠
↑[٣] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص٢٠٥؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٥٣٨؛ مسند أحمد، ج٣٤، ص١٤٤؛ صحيح البخاري، ج٦، ص٨؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٢٧؛ سنن النسائي، ج٨، ص٢٢٧؛ معجم الصحابة لابن قانع، ج٣، ص١٤٣؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج١٠، ص٢٠١
↑[٤] . النّمل/ ٢٣
↑[٥] . النّمل/ ٣٣
↑[٦] . النّمل/ ٢٩
↑[٧] . النّمل/ ٣٢
↑[٨] . النّمل/ ٣٤-٣٥
↑[٩] . النّمل/ ٤٤
↑[١٠] . مسند البزار، ج٩، ص١٣٢