كاتب السؤال: شاطئ الحرّيّة تاريخ السؤال: ١٤٣٦/٧/٢٦

في زمن النبيّ وخلفائه، كان كثير من الناس يعيشون في بلاد بعيدة عنهم، ولم يكونوا يتمكّنون من الوصول إليهم ليتعلّموا منهم دينهم ويسألوهم عن عقائده وأحكامه. لهذا السبب، كان النبيّ وخلفاؤه ينصّبون رجلًا بصفة نائبهم في تلك البلاد ليرجع إليه الناس ويأخذوا منه دينهم. السؤال هو هل كان ذلك الرجل معصومًا؟ ألم يكن من الممكن أن يخطأ في إجابة الناس؟ فكيف كان الناس لا يضلّون في دينهم؟ وكيف كانت هداية اللّه تصل إليهم بدون نقص أو عيب على الرغم من وجود وسيط غير معصوم؟

الاجابة على السؤال: ٠ تاريخ الاجابة على السؤال: ١٤٣٦/٧/٢٧

يرجى الإلتفات إلى النقاط التالية:

أولًا إنّ ادّعاءك أنّ النّبيّ وخلفاءه كانوا ينصّبون في البلاد رجالًا ليأخذ الناس منهم دينهم، هو مجرّد وهم؛ لأنّهم لم يكونوا ينصّبون رجالًا لهذا الغرض، ولكن كانوا ينصّبون رجالًا فقطّ لإقامة الصلاة، وجمع الزكاة، وأخذ الخراج، ومواجهة العدوّ، وتنفيذ أوامرهم، ولذلك لم يكن العديد من نوّابهم في البلاد أعلم الناس بالدين، وكان بعضهم يميلون إلى الخيانة، بحيث يتمّ توبيخهم أو عزلهم من قبلهم، وبهذا تسقط شبهتك من أساسها.

نعم، كان من الممكن أن يمدح النّبيّ وخلفاؤه رجالًا على صدقهم في الرواية، ولكن لم يكن هؤلاء الرجال أيضًا من يجوز للناس تقليده، بل كانوا مجرّد رواة موثوق بهم يجوز لأهل زمانهم قبول رواياتهم عن النبيّ وخلفائه فيما وافق كتاب اللّه، دون أن يكون لآرائهم أدنى اعتبار عندهم، أو تكون لديهم بالضرورة رواية في جميع القضايا التي يحتاجونها، بحيث يغنونهم عن الرجوع إلى النّبيّ وخلفائه؛ لأنّ توثيق هؤلاء الرواة من قبل النّبيّ وخلفائه، كان يمكن أن يعني فقطّ أنّهم لا يكذبون عمدًا على النّبيّ وخلفائه، ولذلك إذا رووا عنهم قولًا أو فعلًا موافقًا لكتاب اللّه، يمكن الإعتماد على روايتهم حتّى الوصول إلى النّبيّ وخلفائه.

ثانيًا إنّ البعيدين عن النّبيّ وخلفائه من المسلمين الذين لا يعرفون دينهم كانوا مكلّفين في الوهلة الأولى بالهجرة إليهم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ۚ[١] وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[٢]، ولكن في الوهلة الثانية، إذا كانوا قاصرين لا يستطيعون الهجرة، فإنّهم مكلّفون بإرسال طائفة منهم إلى النبيّ وخلفائه ليتعلّموا منهم دينهم ويحملوه إليهم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا[٣] وقال: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[٤]، ومن الواضح أنّ رواية هؤلاء «الطائفة» لم تكن رواية واحد، ولو كانت رواية واحد أيضًا لكانت حجّة على أهل زمانهم، بالنظر إلى ما يحفّها من القرائن القطعيّة التي كانت محسوسة لهم، وإن لم تكن حجّة على الذين جاؤوا من بعدهم؛ لأنّ واجب أولئك الذين جاؤوا من بعدهم أيضًا هو الهجرة إلى خليفة زمانهم، أو إرسال طائفة منهم إليه، وهذه قاعدة ستستمرّ إلى يوم القيامة.

الحاصل أنّه لا أحد غير المعصوم يمكن أن يكون مرجع الناس في أخذ الدين، ولا بدّ أن ينتهي أيّ مرجع غيره إليه بطريقة يقينيّة، وهذه قاعدة لا يمكن تخصيصها على الإطلاق.

↑[١] . الأنفال/ ٧٢
↑[٢] . النّساء/ ٩٧
↑[٣] . النّساء/ ٩٨
↑[٤] . التّوبة/ ١٢٢