أخبرنا بعض أصحابنا، قال: في الليلة التي سبقت سفري، ذهبت إلى المنصور الهاشميّ الخراسانيّ لوداعه، فقلت له: «جعلت فداك، أوصني؛ فإنّي أريد سفرًا وسأرى عددًا من أنصارك وأتباعك»، فأخذ يدي بلطف وقال:

أُوصِيكَ وَسَائِرَ أَنْصَارِي وَأَتْبَاعِي بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَآمُرُكُمْ جَمِيعًا وَمَنْ يَلْحَقُ بِكُمْ مِنْ بَعْدُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. أَدُّوا فَرَائِضَ اللَّهِ، وَاجْتَنِبُوا مَحَارِمَهُ، وَاحْفَظُوا حُدُودَهُ. كُونُوا رُحَمَاءَ بَيْنَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالشَّحْنَاءَ! تَزَيَّنُوا بِالتَّوَاضُعِ وَالْأَدَبِ؛ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ لَمْ يَتَزَيَّنْ بِشَيْءٍ أَجْمَلَ مِنْهُمَا، وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَعِنْ بِشَيْءٍ أَجَلَّ مِنْهُمَا. دَبِّرُوا حِيلَةً لِيَوْمِ الْجَزَاءِ، الَّذِي سَيَأْتِي عَاجِلًا أَمْ آجِلًا، وَفَكِّرُوا فِي حَلٍّ لِخِزْيِهِ. اذْكُرُوا الْمَوْتَ؛ فَإِنَّ ذِكْرَ الْمَوْتِ دِرْعٌ حَصِينٌ، وَلَا تَنْسَوُا اللَّهَ؛ فَإِنَّ ذِكْرَهُ دَوَاءٌ شَافٍ. لَيَحْتَرِمَنَّ صَغِيرُكُمْ كَبِيرَكُمْ، وَلَيَرْحَمَنَّ كَبِيرُكُمْ صَغِيرَكُمْ. جَالِسُوا الْأَبْرَارَ وَخَالِطُوهُمْ، وَاجْتَنِبُوا الْأَشْرَارَ وَفِرُّوا مِنْهُمْ. نَبِّهُوا الْغَافِلِينَ، وَعَلِّمُوا الْجَاهِلِينَ. أَرْشِدُوا الضَّالِّينَ، وَأَجِيبُوا عَلَى الْمُسَائِلِينَ. تَحَمَّلُوا سَفَاهَةَ السُّفَهَاءِ وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ، حِينَ يَسُبُّونَكُمْ لِيُؤْذُوكُمْ وَيَبْهَتُونَكُمْ لِيُحْزِنُوكُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَعَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ مَعَنَا أَكْثَرَ مِنْكُمْ. إِنَّمَا مَثَلُكُمْ فِيهِمْ كَمَثَلِ النَّحْلِ فِي الطَّيْرِ؛ مَا مِنْ طَيْرٍ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ يَعْلَمُ مَاذَا تَحْمِلُ مَعَهَا لَمْ يَسْتَضْعِفْهَا بَتَّةً. نَتِنَتِ الْأَرْضُ وَصَارَ الزَّمَانُ كَجِيفَةٍ مُنْتَفِخَةٍ، لَكِنَّنَا لَمْ نَرَ لَيْلًا لَمْ يَلِهِ نَهَارٌ. فَاصْبِرُوا؛ فَإِنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ.