[الحديث ٤٠]
أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَرْبَعُونَ فَهُوَ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١ه] فِي «عُيُونِ أَخْبَارِ الرِّضَا»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ الْفَقِيهُ الْمَرْوَزِيُّ بِمَرْوَرُودَ فِي دَارِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الطَّائِيُّ بِالْبَصْرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ؛
وَحَدَّثَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَكْرٍ الْخُورِيُّ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْفَقِيهُ الْخُورِيُّ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهِرَوِيُّ الشَّيْبَانِيُّ، عَنِ الرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؛
وَحَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأُشْنَانِيُّ الرَّازِيُّ الْعَدْلُ بِبَلْخٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ الْقَزْوِينِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْفَرَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[٢]، قَالَ: يُدْعَى كُلُّ قَوْمٍ بِإِمَامِ زَمَانِهِمْ، وَكِتَابِ رَبِّهِمْ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَيُنْزِلُ الْحَدِيثَ مَنْزِلَةَ الصَّحِيحِ، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ [ت٤٢٧ه][٣] وَالدَّيْلَمِيُّ [ت٥٠٩ه][٤] وَالْقُرْطُبِيُّ [ت٦٧١ه][٥] وَالسُّيُوطِيُّ [ت٩١١ه][٦] وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ جَمَعَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ: كِتَابَ رِبِّهِمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ وَإِمَامَ زَمَانِهِمْ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ إِمَامَ زَمَانِهِمْ لِأَنَّ بِهِ يُعْرَفُ كِتَابُ رَبِّهِمْ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِمْ حَقَّ مَعْرِفَتِهِمَا، وَإِنَّمَا يُدْعَوْنَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ بِهَا هِدَايَتَهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ، فَمَنْ عَرَفَهَا جَمِيعًا فَهُوَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا جَمِيعًا فَهُوَ مِنَ الضَّالِّينَ، وَبِهَذَا يَتَمَايَزُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ﴾[٧]، وقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[٨]، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ ﴿إِمَامِهِمْ﴾ فِي الْآيَةِ مَنْ يَأْتَمُّونَ بِهِ فِي زَمَانِهِمْ؛ كَمَا قَالَ الطَّبَرِيُّ [ت٣١٠ه] بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ: «أَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمُ الَّذِي كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِ وَيَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ الْإِمَامَ فِيمَا ائْتُمَّ وَاقْتُدِيَ بِهِ، وَتَوْجِيهُ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَشْهَرِ أَوْلَى مَا لَمْ تَثْبُتْ حُجَّةٌ بِخِلَافِهِ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا»[٩].
[الحديث ٤٠-١]
وَرَوَى الْيَعْقُوبِيُّ [ت٢٨٤ه] فِي «تَارِيخِهِ»[١٠] مُرْسَلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ إِمَامِهِ مَنْ هُوَ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[١١] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا رَوَاهُ، وَفِي الْمُسْنَدِ: «عَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»، وَهُوَ شِبْهُ تَأْوِيلٍ، أَسْنَدَهُ دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ [ت٢٠٣ه] فِي «مُسْنَدِ الرِّضَا»[١٢]، وَالْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ [تق٣ه] فِي «الزُّهْدِ»[١٣]، وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [تنحو٣٢٩ه] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١٤]، وَالطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠ه] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[١٥]، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١ه] فِي «الْخِصَالِ»[١٦]، وَأَبُو سَعِيدٍ النَّقَّاشُ [ت٤١٤ه] فِي «فَوَائِدِ الْعِرَاقِيِّينَ»[١٧]، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ [ت٤١٣ه] فِي «أَمَالِيهِ»[١٨]، وَالثَّعْلَبِيُّ [ت٤٢٧ه] فِي «الْكَشْفِ وَالْبَيَانِ»[١٩]، وَالطُّوسِيُّ [ت٤٦٠ه] فِي «أَمَالِيهِ»[٢٠]، وَابْنُ الْمَغَازِلِيِّ [ت٤٨٣ه] فِي «مَنَاقِبِ عَلِيٍّ»[٢١]، وَابْنُ عَسَاكِرَ [ت٥٧١ه] فِي «تَارِيخِ دِمَشْقَ»[٢٢]، وَغَيْرُهُمْ، بِأَسَانِيدَ شَتَّى عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَأَبِي بُرْدَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
[الحديث ٤٠-٢]
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠ه] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٢٣]، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُدْعَى كُلٌّ بِإِمَامِهِ الَّذِي مَاتَ فِي عَصْرِهِ، فَإِنْ أَثْبَتَهُ أُعْطِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، لِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ﴾[٢٤]، وَمَنْ أَنْكَرَهُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشِّمَالِ.
[الحديث ٤٠-٣]
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠ه] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٢٥]، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا تُتْرَكُ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَيُحَرِّمُ حَرَامَهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[٢٦]، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ إِمَامٍ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
[الحديث ٤٠-٤]
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩ه] فِي «الْكَافِي»[٢٧]، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَطَلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[٢٨]، قَالَ: إِمَامِهِمُ الَّذِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَهُوَ قَائِمُ أَهْلِ زَمَانِهِ.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ[٢٩]، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ بِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يُدْعَوْنَ بِإِمَامِ الْحَقِّ فِي زَمَانِهِمْ لِيَمْتَازَ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ عَمَّنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَالْتَّفْسِيرُ الْآخَرُ أَنَّهَا تَعُمُّ إِمَامَ الْحَقِّ وَإِمَامَ الْبَاطِلِ؛ كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «بِإِمَامِ زَمَانِهِمُ الَّذِي دَعَاهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى ضَلَالَةٍ أَوْ هُدًى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾[٣٠] وَقَالَ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾[٣١]»[٣٢]، وَالشَّاهِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي فَرْعَوْنَ: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾[٣٣]؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَئِمَّةَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا يَقْدُمُونَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُورِدُونَهُمُ النَّارَ أَوِ الْجَنَّةَ، وَهَذَا رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ:
[الحديث ٤٠-٥]
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١ه] فِي «أَمَالِيهِ»[٣٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْحَسَنُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ زِيَادٍ التُّسْتَرِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ قَاضِي بَلْخٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُرَيْسَةُ بِنْتُ مُوسَى بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَكَانَتْ عَمَّتِي، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيَّةُ، وَكَانَتْ عَمَّتِي، قَالَتْ: حَدَّثَتْنِي بَهْجَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّغْلِبِيُّ، عَنْ خَالِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَكَانَ رَضِيعًا لِبَعْضِ وُلْدِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي عَنْ مَقْتَلِ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ:- فَسَارَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمَّا نَزَلُوا ثَعْلَبِيَّةَ وَرَدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بِشْرُ بْنُ غَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[٣٥]، قَالَ: إِمَامٌ دَعَا إِلَى هُدًى فَأَجَابُوهُ إِلَيْهِ، وَإِمَامٌ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ فَأَجَابُوهُ إِلَيْهَا، هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾[٣٦].
[الحديث ٤٠-٦]
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ [ت٣٢٠ه] فِي «تَفْسِيرِهِ»[٣٧]، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: قَالَ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[٣٨]، فَقَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ: أَلَيْسَ عَدْلٌ مِنْ رَبِّكُمْ أَنْ نُوَلِّيَ كُلَّ قَوْمٍ مَنْ تَوَلَّوْا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: تَمَيَّزُوا، فَيَتَمَيَّزُونَ.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[٣٩]، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنَادِي مُنَادٍ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَلَيْسَ عَدْلٌ مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَلْيَنْطَلِقْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِلَى مَا كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا، فَيَنْطَلِقُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِلَى مَا كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا»[٤٠].
[الحديث ٤٠-٧]
وَرَوَى عَلَاءُ بْنُ رَزِينٍ فِي «كِتَابِهِ»[٤١]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ -يَعْنِي أَبَا جَعْفَرٍ أَوْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ۖ﴾[٤٢]، قَالَ: بِمَا كَانُوا يَأْتَمُّونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، فَيُؤْتَى بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ وَمَنْ يَعْبُدُهُمَا.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَقَالٌ؛ رَوَى مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «بَيْنَا ابْنِ عَبَّاسٍ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! سَمِعْتُ الْعَجَبَ مِنْ كَعْبٍ الْحَبْرِ يَذْكُرُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ! قَالَ: وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ، فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ! قَالَ عِكْرِمَةُ: فَطَارَتْ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ شِقَّةٌ وَوَقَعَتْ أُخْرَى غَضَبًا، ثُمَّ قَالَ: كَذَبَ كَعْبٌ! كَذَبَ كَعْبٌ! كَذَبَ كَعْبٌ! ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بَلْ هَذِهِ يَهُودِيَّةٌ يُرِيدُ إِدْخَالَهَا فِي الْإِسْلَامِ، اللَّهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ عَلَى طَاعَتِهِ، أَلَمْ تَسْمَعْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ﴾[٤٣]، إِنَّمَا يَعْنِي دُءُوبَهُمَا فِي الطَّاعَةِ، فَكَيْفَ يُعَذِّبُ عَبْدَيْنِ يُثْنِي عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا دَائِبَانِ فِي طَاعَتِهِ! قَاتَلَ اللَّهُ هَذَا الْحَبْرَ وَقَبَّحَ حَبْرِيَّتَهُ! مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ وَأَعْظَمَ فِرْيَتَهُ عَلَى هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ الْمُطِيعَيْنِ لِلَّهِ»[٤٤]. قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ عَبَّاسٍ! فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ كَعْبًا وَإِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾[٤٥]، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كَانَا مِمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَهُمَا جَمَادَانِ لَا يُعَذَّبَانِ بِوُرُودِ النَّارِ، وَإِنَّمَا يَرِدَانِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ خِزْيًا لِعَبَدَتِهِمَا، لَا لِأَنَّهُمَا آثِمَانِ؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[٤٦]، وَهَذِهِ هِيَ الْحَالُ فِي الْحِجَارَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ وَقُودَ النَّارِ إِذْ قَالَ: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[٤٧]؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحِجَارَةَ لَا إِثْمَ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا الْخَطَأِ؛ كَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ، قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ زَمَنَ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْبَصْرَةِ- وَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: <إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ>، فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَا ذَنْبُهُمَا؟ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ وَمَا ذَنْبُهُمَا؟!»[٤٨]، وَفِي هَذَا عِبْرَةٌ لِمَنْ يَتَعَجَّلُ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ وَيَتَجَرَّأُ عَلَى الْإِجْتِهَادِ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَلْتَفِتُ إِلَى وَجْهٍ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١ه] فِي «عِلَلِ الشَّرَائِعِ»[٤٩]، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُتِيَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فِي صُورَةِ ثَوْرَيْنِ عَقِيرَيْنِ، فَيُقْذَفَانِ بِهِمَا وَبِمَنْ يَعْبُدُهُمَا فِي النَّارِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا عُبِدَا فَرَضِيَا»، وَهَذَا التَّعْلِيلُ زِيَادَةٌ مِنَ الرُّوَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ بَاطِلٌ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ إِذْ يَحْكِي عَنْ كُلِّ جَمَادٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنَّهُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ﴿إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ﴾[٥٠]، وَلَا يُوجَدُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ.