[الحديث ٣٥]
أَمَّا الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ فَهُوَ مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقُمِيُّ [تنحو٣٢٩ه] فِي «تَفْسِيرِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَ:
الْأَئِمَّةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ: إِمَامُ عَدْلٍ وَإِمَامُ جَوْرٍ، قَالَ اللَّهُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾[٢]، لَا بِأَمْرِ النَّاسِ، يُقَدِّمُونَ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ أَمْرِهِمْ وَحُكْمَ اللَّهِ قَبْلَ حُكْمِهِمْ، قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ﴾[٣]، يُقَدِّمُونَ أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَمْرِ اللَّهِ وَحُكْمَهُمْ قَبْلَ حُكْمِ اللَّهِ، وَيَأْخُذُونَ بِأَهْوَائِهِمْ خِلَافًا لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَاهُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْخَزَّازُ وَمَنْصُورُ بْنُ يُونَسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، وَطَلْحَةُ هَذَا مَقْبُولٌ عِنْدَ الشِّيعَةِ، رَوَى كِتَابَهُ ابْنُ الْوَلِيدِ، وَقَالَ الطُّوسِيُّ: «كِتَابُهُ مُعْتَمَدٌ»[٤]، وَلَكِنَّهُ مُتَّهَمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ رَوَى قَرِيبًا مِنْهُ أَبُو بَصِيرٍ:
[الحديث ٣٥-١]
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ [ت٢٩٠ه] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَكُونُ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامَانِ: بَرٌّ وَفَاجِرٌ، فَالْبَرُّ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾[٦]، وَأَمَّا الْفَاجِرُ فَالَّذِي قَالَ اللَّهُ: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ﴾[٧].
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا فَرْقُ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ وَالْآخَرَ يَهْدِي بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ. فَكُلُّ إِمَامٍ يَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ فَهُوَ إِمَامُ عَدْلٍ يَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَإِنْ كَرِهَهُ النَّاسُ، وَكُلُّ إِمَامٍ يَهْدِي بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ فَهُوَ إِمَامُ جَوْرٍ يَحْرُمُ طَاعَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَإِنْ رَضِيَهُ النَّاسُ، ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[٨].
[الحديث ٣٥-٢]
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩ه] فِي «الْكَافِي»[٩]، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ -يَعْنِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[١٠]، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ أَحَدًا زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحَارِمِ؟ فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْفَاحِشَةُ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِهَا؟ قُلْتُ: اللَّهُ أَعْلَمُ وَوَلِيُّهُ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا فِي أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، ادَّعَوْا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِالْإِئْتِمَامِ بِقَوْمٍ لَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِالْإِئْتِمَامِ بِهِمْ، فَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ، وَسَمَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَاحِشَةً.
[ملاحظة]
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْهُمُ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ فُقَهَاءَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمَهْدِيِّ ثُمَّ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ، وَهُمْ طَائِفَتَانِ: طَائِفَةٌ يُقَلِّدُونَ فُقَهَاءَهُمْ فِي الدِّينِ، وَهُمُ الْخَاسِرُونَ، وَطَائِفَةٌ يُقَلِّدُونَ فُقَهَاءَهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَهُمُ الْأَخْسَرُونَ؛ إِذْ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، لَكِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا وَلَا نُشْرِكُ بِهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَلَا نَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَا نَعْلَمُ.
[الحديث ٣٥-٣]
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩ه] فِي «الْكَافِي»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ﴾[١٢]، قَالَ هُمْ وَاللَّهِ أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾[١٣]، ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُمْ وَاللَّهِ -يَا جَابِرُ- أَئِمَّةُ الظَّلَمَةِ وَأَشْيَاعُهُمْ.