يرجى الإلتفات إلى النقاط التالية:
أولًا المراد بـ«الذكر» في الآية المباركة ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، كما هو ظاهر واتّفق عليه المفسّرون، هو كتاب اللّه وليس الإسلام؛ بالنظر إلى أنّ الإسلام لا ينحصر في كتاب اللّه، بل يشمل أيضًا سنّة النبيّ، ولذلك فإنّ الآية المباركة تدلّ فقطّ على حفظ القرآن من التحريف، ولا تدلّ على حفظ سنّة النبيّ بمعنى أخباره، وهذا يعني إمكان وقوع التحريف في أخباره، ولا شكّ أنّه قد وقع وكان من أهمّ أسباب عدم إقامة الإسلام الخالص والكامل بعده. نعم، كما بيّن العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في كتاب «العودة إلى الإسلام»، فإنّ سنّة النبيّ ليست أخباره، ولكن قوله وفعله، وهما على الرغم من أنّه لا يمكن إدراكهما بواسطة الأخبار الظنّيّة والمحرّفة، يمكن إدراكهما بواسطة خليفته، وهذا يعني أنّ اللّه قد حفظ سنّة النبيّ من بعده كما حفظ كتابه، ولكنّ المسلمين لم يعملوا بها عن سوء اختيارهم؛ كما لم يعملوا بكتابه، وكان هذا هو السبب في عدم إقامة دينه.
بناء على هذا، فإنّ عدم إقامة الإسلام الخالص والكامل من بعد النبيّ حتّى الآن، لم يكن بسبب عدم حفظ القرآن والسنّة كي يُسأل هل كان اللّه قادرًا على حفظ دينه أم لا، بل كان بسبب عدم العمل بالقرآن والسنّة من قبل المسلمين ممّا نشأ عن تفريطهم وتقصيرهم، ولا يُنسب إلى اللّه سبحانه وتعالى؛ بالنظر إلى أنّ المراد بحفظ الدين عندما يعتبر من واجب اللّه، هو جعل التمكّن للمسلمين من الوصول بشكل يقينيّ إلى القرآن والسنّة، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا يستفيدون من هذا التمكّن أم لا، وليس إجبارهم على الإستفادة من هذا التمكّن إضافة إلى جعله؛ لأنّ هذا الإجبار يتعارض مع حكمة اللّه وسنّته، ويجعل تكليف المسلمين وثوابهم وعقابهم لغوًا. لذلك، فإنّ اللّه كان قادرًا على حفظ دينه، وقد فعل ذلك من خلال حفظ كتابه من التحريف وجعل خليفة لنبيّه، ولكنّ المسلمين لم يعملوا بكتابه واضطرّوا خليفة نبيّه إلى الغيبة وبهذه الطريقة، ضيّعوا الإسلام، وعليه فإنّ اللّه لم يظلمهم ولكن كانوا هم الظالمين؛ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
ثانيًا أولئك الذين ماتوا على معرفة ناقصة بالإسلام وخليفة اللّه في الأرض، كانوا أمّة قد خلت، واللّه أعلم بأحوالهم؛ إن شاء يغفر لهم، وإن شاء يعذّبهم. فإن غفر لهم فإنّما غفر لهم بفضله، لأنّه غفور رحيم، وإن عذّبهم فإنّما عذّبهم بسبب تقصيرهم في كسب المعرفة الكاملة بالإسلام وخليفة اللّه في الأرض، ولم يظلمهم شيئًا، وقد سأل فرعون مثل سؤالك هذا لمّا سمع دعوة موسى عليه السلام، قال: ﴿فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾، فأجابه موسى عليه السلام بمثل ما أجبناك، قال: ﴿عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾، وقد قال اللّه فيهم: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. لذلك، من الأفضل لك أن تفوّض أمرهم إلى اللّه، وتفكّر في أمر نفسك؛ لأنّ الموت قريب جدًّا، ومن الممكن أن يجعل عاقبتك مثل عاقبتهم، بل أسوأ منها؛ لأنّهم ماتوا قبل أن يبلغهم دعوة المنصور الهاشمي الخراساني، وأنت تموت بعد أن يبلغك دعوته، ولا سواء؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
«سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَمَّنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْحُكْمِ وَالْمُلْكِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَتَاهُ الْبَيَانُ جَاحِدًا أَوْ شَاكًّا أُدْخِلَ النَّارَ خَالِدًا فِيهَا، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهُ شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ، قُلْتُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ! وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا؟ قَالَ: أَنْزَلَ أَنَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَأَنَّهُ يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، مَا كَانَ لِلنَّاسِ الْخِيَرَةُ فِي حُكْمٍ وَلَا مُلْكٍ، ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾».
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الردّ على الشبهات