الخميس ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ الموافق لـ ٢٥ أبريل/ نيسان ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم التأمين في الإسلام؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٦. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: إنّي قرأت كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني، فوجدته أقرب إلى الحقّ بالنسبة لما يذهب إليه الشيعة، ولكنّ المنصور أيضًا مشرك وكافر مثلهم؛ لأنّه قد فسّر آيات القرآن برأيه؛ لأنّك إذا قرأت ما قبل كثير من الآيات التي استدلّ بها على رأيه أو ما بعدها علمت أنّها لا علاقة لها بموضوع البحث؛ منها آية التطهير، فإنّ اللّه قد خاطب فيها نساء النبيّ، ولكنّ المنصور جعلها مقصورة على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأثبت بها إمامتهم من عند اللّه! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «عمليّة طوفان الأقصى؛ ملحمة فاخرة كما يقال أم إقدام غير معقول؟!» بقلم «حسن ميرزايي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الأقوال: قولان من جنابه في بيان وجوب العقيقة عن المولود. اضغط هنا لقراءتهما. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
موانع العودة إلى الإسلام؛ رواج النّزعة الحديثيّة

إنّ الحديث لم يزل بديلًا عن عترة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ليتدارك عدم رجوع المسلمين إليهم؛ لأنّه سرعان ما تبيّن للمسلمين عدم صحّة رأي فريق من الصّحابة اعتبروا كتاب اللّه كافيًا من بعده، ولكنّ صحّة رأي فريق آخر منهم اعتبروا أهل بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ضروريًّا بجانب كتاب اللّه لم تتبيّن لهم حتّى الآن؛ لأنّ موانع المعرفة، وخاصّة دعاية الحكّام الظالمين وتقليد السّلف، لم تسمح بأن تتبيّن لهم. لذلك، فإنّهم أحدثوا رأيًا ثالثًا وأقبلوا على الحديث لتلبية احتياجاتهم بالإعتماد عليه إلى جانب كتاب اللّه، في حين أنّ الحديث، بصفته خبرًا غير يقينيّ، لا يجانس كتاب اللّه ولا يستأهل أن يوضع بجانبه؛ لأنّ كتاب اللّه يقينيّ، وغير اليقينيّ ليس كفوًا لليقينيّ. [العودة إلى الإسلام، ص١٦٢]

موانع العودة إلى الإسلام؛ رواج النّزعة الحديثيّة

إنّ اللّه العادل الرّحيم لم يجعل اليقين بالعقائد والأعمال الإسلاميّة والإتّفاق في الدّين ممكنين لأصحاب نبيّه فقطّ، بل جعلهما ممكنين لجميع المسلمين إلى يوم القيامة، كي لا يكون هناك قرن منهم له حجّة عليه ويمكنه الإعتذار بأنّنا لو أدركنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لأيقنّا بعقائدنا وأعمالنا ولم نختلف فيما بيننا... إنّ عدل اللّه يقتضي أن يجعل للقرون التالية كلّ ما جعل للقرن الأوّل من الأسباب اللازمة للوصول إلى اليقين، حتّى يكونوا سواء من هذه الناحية، ويُعلم أيّهم أحسن عملًا؛ كما قال: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ. هذا يعني أنّ في كلّ قرن من المسلمين هاديًا حيًّا عيّنه اللّه وأخبر به نبيُّه، وبالتّالي فإنّ قوله وفعله كاشفان عن قول اللّه ونبيّه وفعلهما، ويجب على كلّ مسلم أن يعرفه بنصّ أو آية، ويرجع إليه بجانب كتاب اللّه، وبالتّالي فإنّ الإعتقاد والعمل الذي لا يستند إلى ذلك غير مقبول، وإن كان مستندًا إلى الرّوايات؛ إلّا الرّوايات المتواترة؛ لأنّها تفيد اليقين عقلًا، واليقين صالح لأن يكون أساس اعتقاد المسلم وعمله، أو الرّوايات التي تُروى للمسلمين عن هاد حيّ في زمانهم، ما لم يكونوا مقصّرين في الوصول إليه. [العودة إلى الإسلام، ص١٦٣]

موانع العودة إلى الإسلام؛ رواج النّزعة الحديثيّة

إنّ الحديث بمعنى خبر الواحد، وإن كان صحيحًا في المصطلح، ليس له قيمة دينيّة، وليس من مصادر الإسلام، والإعتقاد والعمل الذي يقوم عليه ساقط، كما هو الحال بالنسبة للرأي، وأساس الدّيانة هو الرّجوع المباشر إلى كتاب اللّه والهادي الحيّ الذي جعله للنّاس؛ كما قال: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، وقال: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وبالطبع يعتبر الرّجوع المباشر إلى هذا الهادي رجوعًا غير مباشر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ لأنّه يمثّل سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وبهذا يكون رجوع المسلمين إلى كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن يقين دائمًا، والظنّ لا مكان له في الإسلام بحمد اللّه ومنّته. [العودة إلى الإسلام، ص١٦٤]

موانع العودة إلى الإسلام؛ ظهور المذاهب وتنافس بعضها مع بعض

إنّ انقسامهم [يعني المسلمين]، بسبب فقدان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الذي كان الضامن الوحيد لوحدتهم، وكذلك انخفاض التزامهم بالإسلام من بعده، استمرّ في التعمّق والتوسّع، حتّى جعل في عهد عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالب التيّارين العظيمين الأمويّ والهاشميّ اللذين كانا يتنافسان منذ ما قبل الإسلام ويمثّلان الكفر والإسلام في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يتواجهان مرّة أخرى... كان التنازع بين بني أميّة وبني هاشم المنهل الرئيسيّ لجميع التيّارات الإسلاميّة، والسّبب الأكبر في استقطاب المسلمين منذ البداية حتّى الآن؛ كأنّ اللّه قد قال فيهما: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ؛ لأنّهما كانا يختصمان قبل الإسلام وبعده، وكان موضوع هذا التخاصم بعد بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الجاهليّة والإسلام؛ إذ كان بنو أميّة بشكل نموذجيّ مدافعين عن الثّقافة والسّنن العربيّة الجاهليّة، وكان بنو هاشم بشكل نموذجيّ مدافعين عن الثّقافة والسّنن الإسلاميّة، وفي غضون ذلك، ما غيّر تاريخ الإسلام وقرّر مصير المسلمين كان تغلّب التيّار الأمويّ على التيّار الهاشميّ. [العودة إلى الإسلام، ص١٦٥ و١٦٦]

موانع العودة إلى الإسلام؛ ظهور المذاهب وتنافس بعضها مع بعض

إنّ جزءًا كبيرًا من عقائد المسلمين وأعمالهم من القرن الأوّل الهجريّ إلى الوقت الحاضر، لم ينشأ من كتاب اللّه والسّنّة الحقيقيّة لنبيّه، بل نشأ من إملاءات الأمويّين في القرنين الأوّل والثاني الهجريّين، وبمرور الوقت وبمساعدة واضعي الحديث والعلماء التابعين للتيّار الأمويّ، وجد تبريرات إسلاميّة، وأصبح عقائد وأعمالًا رسميّة بين المسلمين؛ لأنّ العديد من الذين اعتُبروا مصدر عقائد المسلمين وأحكامهم في القرون اللاحقة تحت عنوان السّلف والرّواة الأوائل للسّنّة، كانوا علنًا تابعين للأمويّين وتحت رعايتهم وإدارتهم، بل كان بعضهم ذوي مناصب حكوميّة، ويأخذون جوائزهم وهداياهم مقابل خدماتهم... من الواضح أنّ أمثال هؤلاء ما كانوا يستطيعون بأيّ وجه أن يكونوا مصدرًا جديرًا بالثقة للمسلمين اللاحقين؛ لأنّه بسبب تبعيّتهم وخوفهم، كان من الصّعب عليهم جدًّا أن ينقلوا إليهم جوانب من الإسلام تتعارض مع مصالح الحكّام الأمويّين. لذلك، فإنّ إحسان الظنّ بهم، على الرّغم من الدّوافع العديدة التي كانت لديهم لكتمان الحقّ أو تحريفه، ليس من الحكمة، بل هو بالتأكيد مثال للسّفاهة. [العودة إلى الإسلام، ص١٦٨ و١٧٤]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

اعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَوْشَكَتْ عَلَى نِهَايَتِهَا، وَحَانَ آخِرُ الزَّمَانِ، وَبَزَغَ فَجْرُ الْمَوَاعِيدِ. الْآنَ نَعِيشُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي عَصْرٍ قَدْ عَمَّ فِيهِ الْفِتْنَةُ وَالْهَرْجُ جَمِيعَ الْأَرْجَاءِ، وَشَاعَ فِيهِ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ، وَكَثُرَتِ الشُّبْهَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ «شُبْهَةً» لِأَنَّهَا تُوقِعُ الْإِنْسَانَ فِي «الْإِشْتِبَاهِ»، وَتَجْعَلُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ «مُشْتَبِهَيْنِ». فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ وَاضِحًا لَمْ يَخْفَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَاطِلُ سَافِرًا لَافْتَضَحَ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لَكِنَّ الْحَقَّ يَتَوَارَى خَلْفَ سُحُبِ الْبَاطِلِ، وَالْبَاطِلَ يَتَقَنَّعُ بِقِنَاعِ الْحَقِّ، وَهُنَالِكَ يَصْعُبُ تَمْيِيزُهُمَا. لَقَدْ عَلِمَ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ إِنْ يَدْعُكُمْ إِلَى الْبَاطِلِ وَيَأْمُرْكُمْ بِالضَّلَالَةِ صَرَاحَةً، لَا تُجِيبُوا دَعْوَتَهُ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَهُ، وَلِذَلِكَ عَنِ الْيَمِينِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَعَنِ الشِّمَالِ يُزَيِّنُ لَكُمُ الْبَاطِلَ حَتَّى تَرَوْهُ حَقًّا، وَيُسَوِّلُ لَكُمُ الضَّلَالَةَ حَتَّى تَحْسَبُوهَا هِدَايَةً! هُنَالِكَ تُجِيبُونَ دَعْوَتَهُ وَتُطِيعُونَ أَمْرَهُ، فَتَقَعُونَ فِي الْبَاطِلِ شَوْقًا إِلَى الْحَقِّ، وَتَخْضَعُونَ لِلضَّلَالَةِ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ، وَعَصْرُنَا طَافِحٌ بِهَذِهِ الشُّبُهَاتِ. [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

أَفِيقُوا، وَاسْتَيْقِظُوا، وَقُومُوا! فَوَاللَّهِ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ «الْمَعْرِفَةِ»، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُكُمْ إِلَّا «بِالْعِلْمِ». الْآنَ يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ كَمَلَكٍ، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ كَنَبِيٍّ، صَائِحًا فِي أَسْوَاقِكُمْ، وَهَاتِفًا عَلَى سُطُوحِ بُيُوتِكُمْ، أَنْ «يَا أَيُّهَا الْغَافِلُونَ! قَدْ أَدْبَرَ لَيْلُ الْغَفْلَةِ، وَطَلَعَ فَجْرُ الْمَعْرِفَةِ. فَالْآنَ اسْتَيْقِظُوا، وَسَارِعُوا إِلَيَّ، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنِّي شَيْءٌ؛ لِأَنِّي أَكْثَرُ ضَرُورَةً لَكُمْ مِنْ قُوتِ يَوْمِكُمْ، وَأَكْثَرُ نَفْعًا لَكُمْ مِنْ مَكَاسِبِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ. أَنَا الْوَحِيدُ الَّذِي يَبْقَى مَعَكُمْ، وَلَا يُفَارِقُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ تَفْنَى، وَأَزْوَاجَكُمْ تَمُوتُ، وَأَوْلَادَكُمْ تَفْتَرِقُ، وَلَكِنِّي لَا أَفْنَى وَلَا أَمُوتُ وَلَا أُفَارِقُكُمْ أَبَدًا، بَلْ أَحْفَظُكُمْ كَمَا أَحْفَظُ نَفْسِي، وَأُوصِلُكُمْ مَعِي إِلَى الْخُلُودِ. إِنْ كُنْتُ مَعَكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ مَعَكُمْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ شَيْءٌ. فَأَيُّ صَادٍّ يَصُدُّكُمْ عَنِّي، وَأَيُّ مُغْنٍ يُغْنِيكُمْ عَنِّي؟!»، هَكَذَا يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ إِلَى نَفْسِهَا، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ إِلَى نَفْسِهِ. فَأَجِيبُوا دَعْوَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَاسْمَعُوا نِدَاءَ الْعِلْمِ. قُومُوا لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاهْتَمُّوا بِتَعَلُّمِ الصَّحِيحِ مِنَ الْخَطَإِ؛ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟! وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ قِوَامُ إِنْسَانِيَّتِكُمْ، وَتَعَلُّمُ الصَّحِيحِ وَالْخَطَإِ أَسَاسُ شَخْصِيَّتِكُمْ. كَيْفَ يُسَمِّي نَفْسَهُ إِنْسَانًا مَنْ يُبْغِضُ الْمَعْرِفَةَ؟! وَلِمَ لَا يُسَمِّي نَفْسَهُ فَرَسًا مَنْ هُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْعِلْمِ؟! عِلْمُ الْإِنْسَانِ عِمَادُ شَرَفِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ سَبَبُ عِزَّتِهِ. لَا أَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ الرِّيَاضِيَّاتِ وَالْهَنْدَسَةَ وَمَا شَابَهَهُمَا، وَلَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهَ وَالْأُصُولَ وَالْمَنْطِقَ وَالْفَلْسَفَةَ! هَذِهِ كُلُّهَا فَضْلٌ قَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ فِتْنَةً، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّتُكُمْ! إِنَّمَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ تَمْيِيزَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَأَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ تَشْخِيصَ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ. كَمْ مِنْ فَقِيهٍ وَفَيْلَسُوفٍ قَدْ أُدْخِلَ النَّارَ، وَكَمْ مِنْ طَبِيبٍ وَمُهَنْدِسٍ لَمْ يَنَالِ الْفَلَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْهِدَايَةَ مِنَ الضَّلَالَةِ! [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

الْمَعْرِفَةُ تَنْصُرُ صَاحِبَهَا، وَالْعِلْمُ يُنْجِي صَدِيقَهُ. هَذَانِ لَكُمْ كَالْمَاءِ لِلْعَطْشَانِ، وَالطَّعَامِ لِلْجَائِعِ، وَالدَّلِيلِ لِلتَّائِهِ، وَالْأَنِيسِ لِلْوَحِيدِ. هَذَانِ ظَهِيرٌ لَكُمْ، وَعَصًا لِأَيْدِيكُمْ. هَذَانِ دَوَاءٌ لِأَدْوَائِكُمْ، وَبَلْسَمٌ لِجُرُوحِكُمْ. هَذَانِ مِفْتَاحٌ لِأَبْوَابِكُمُ الْمُغْلَقَةِ، وَبَوَّابَةٌ إِلَى سَعَادَتِكُمْ. هَذَانِ رَأْسُ مَالِكُمْ فِي يَوْمِ حَاجَتِكُمْ، وَمُغِيثُكُمْ فِي يَوْمِ مَسْكَنَتِكُمْ. هَذَانِ لَكُمْ قَادَةٌ لَا يُضِلُّونَ، وَحُكَّامٌ لَا يَظْلِمُونَ. هَذَانِ لَكُمْ بُيُوتٌ لَا تَنْهَارُ، وَأَرَاضٍ دَائِمَةُ الْخَضَارِ. هَذَانِ لَكُمْ أَمْوَالٌ لَا تُسْرَقُ، وَعُمَّالٌ لَا تَنِي. هَذَانِ لَكُمْ أَزْوَاجٌ لَا تُفَارِقُ، وَأَوْلَادٌ لَا تَجْفُو. هَذَانِ لَكُمْ أَصْدِقَاءُ لَنْ يَخُونُوا، وَرُفَقَاءُ لَنْ يَخْذُلُوا. فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِمَا، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُمَا شَيْءٌ. اعْرِفُوا الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ، وَالصَّحِيحَ مِنَ الْخَطَإِ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ سَارِقُ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَعَدَمَ التَّمْيِيزِ سَبَبُ نَدَامَتِكُمْ. [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

الْجَهْلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ذَنْبٌ لَا يُغْتَفَرُ وَخَطَأٌ لَا يُتَدَارَكُ. فِي هَذَا الزَّمَانِ، إِنْ لَا تَعْرِفُوا الْحَقَّ تُخْدَعُوا، وَإِنْ لَا تَمِيزُوا الْهِدَايَةَ تُغَرُّوا؛ إِنَّ شَيَاطِينَ الْجِنِّ يَبِيعُونَكُمُ الْبَاطِلَ بَدَلًا مِنَ الْحَقِّ، وَشَيَاطِينَ الْإِنْسِ يُطْعِمُونَكُمُ الضَّلَالَةَ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ. لَا يَزَالُ يُوجَدُ مُنْتَهِزُونَ يَنْتَهِزُونَ جَهْلَكُمْ وَيَسْتَغِلُّونَ غَفْلَتَكُمْ، لِيَتَسَبَّبُوا بِكُمْ إِلَى السُّلْطَةِ وَالثَّرْوَةِ، فَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ وَاعِينَ لَمْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُنْتُمْ فَاطِنِينَ لَمْ يَتَغَلَّبُوا عَلَيْكُمْ. أَلَيْسَ يَقْصُدُ السَّارِقُ الْبَيْتَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَيَقَعُ السَّمَكُ فِي الشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ الْعَكِرِ؟! كُونُوا عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تَظِلُّوا جَاهِلِينَ وَغَافِلِينَ بَعْدَ هَذَا. بَادِرُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاسْعَوْا لِتَشْخِيصِ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ... أَلَيْسَ فِيكُمْ رَجُلٌ عَاقِلٌ يَتَلَقَّى حِكْمَتِي، وَامْرَأَةٌ فَاهِمَةٌ تَقْبَلُ نَصِيحَتِي؟! أَيْنَ فُطُنُكُمْ لِيَفْقَهُوا قَوْلِي، وَمَنْ وُعَاتُكُمْ لِيُجِيبُوا دَعْوَتِي؟! طُوبَى لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّهُمْ سَيُفْلِحُونَ، وَتَعْسًا لِلَّذِينَ يَتَمَادَوْنَ فِي الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُمْ سَيَشْقَوْنَ... [الرسالة الثالثة]

جزء آخر من رسالة جنابه يؤكّد فيها على معرفة الحقّ والباطل.

إِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي خُسْرٍ؛ كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، وَخَلَاصُكُمْ مِنْ ذَلِكَ مَرْهُونٌ بِخَصْلَتَيْنِ، كَمَا أَنَّ طَيْرَ الطَّائِرِ مَرْهُونٌ بِجَنَاحَيْنِ، وَهُمَا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ كَمَا قَالَ رَبُّكُمْ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.أَمَّا الْإِيمَانُ فَهُوَ الْإِعْتِقَادُ بِالْحَقِّ، وَتَرْكُ الْإِعْتِقَادِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يُمْكِنُ الْحُصُولُ عَلَيْهِمَا إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَهُوَ إِتْيَانُ مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْحَقُّ، وَاجْتِنَابُ مَا يَسْتَلْزِمُهُ الْبَاطِلُ، وَلَا يُمْكِنُ الْحُصُولُ عَلَيْهِمَا أَيْضًا إِلَّا بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. فَلَا جَرَمَ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ رُكْنُ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَمَبْدَؤُهُمَا. مَثَلُ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُمَا كَمَثَلِ الْأَسَاسِ مِنَ الْبِنَاءِ، وَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، وَالصَّلَاةِ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ. أَفَيَبْقَى الْبِنَاءُ قَائِمًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَسَاسٌ؟! أَوْ يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ بِجَوَارِحِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ؟! أَوْ يُقْبَلُ مِنْهُ حَجُّهُ وَصَوْمُهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ؟! كَذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ. [الرسالة الرابعة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فَقَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ خَلِيفَةٍ اللَّهُ جَاعِلُهُ، وَلَوْ خَلَتْ لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ هَذَا الْخَلِيفَةَ فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ مِنْ عِنْدِهِ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ اللَّهُ يَجْعَلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مُنْذُ قَالَهُ، وَلَوْ قَالَ: «إِنِّي أَجْعَلُ» لَكَانَ مِنْهُ جَعْلٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ، وَالْجَاعِلُ مَنْ يَسْتَمِرُّ مِنْهُ الْجَعْلُ، وَكُلُّ خَلِيفَةٍ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ مَهْدِيٌّ إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا لِيَضَعَهُ حَيْثُ يَشَاءُ اللَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَى مَهْدِيِّ زَمَانِهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا. [الفقرة ١ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلَ الْمَنْصُورَ رَجُلٌ وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فَقَالَ: لَا يَزَالُ اللَّهُ جَاعِلًا فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مُنْذُ وَعَدَهُ، إِمَّا ظَاهِرًا مَشْهُورًا وَإِمَّا خَائِفًا مَغْمُورًا، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، قَالَ الرَّجُلُ: إِنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا فِي الْعِرَاقِ خَلِيفَةً وَلَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ! قَالَ: كَذَبُوا أَعْدَاءُ اللَّهِ، مَا قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ جَاعِلُونَ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وَلَكِنْ قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ، فَلَوْ جَعَلُوا فِيهَا خَلِيفَةً دُونَ الْخَلِيفَةِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا لَكَانُوا بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ، قَالَ الرَّجُلُ: وَمَنْ هَذَا الْخَلِيفَةُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهَا؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ. [الفقرة ٢ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا، وَعَدَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ! قَالَ: إِنَّهُ فِيهَا وَإِنْ أَنْكَرَهُ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي نُبِّئْتُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، قُلْتُ: نَعَمْ، وَسَفَكُوا لَهُ الدِّمَاءَ، قَالَ: هُوَ خَلِيفَةُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَخَلِيفَةُ اللَّهِ هُوَ الْمَهْدِيُّ. [الفقرة ٣ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا أَرَادَ بِالْخَلِيفَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمْ يَجْعَلْ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: كَذَبُوا، فَمَنِ الْقَائِلُ لِدَاوُودَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى؟! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: كَانَ ذَلِكَ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيفَةً كَآدَمَ وَدَاوُودَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، قَالَ: كَذَبُوا، فَمَنِ الْقَائِلُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا أَرَادَ الَّذِينَ مَلَكُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَبَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي عَبَّاسٍ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، قَالَ: كَذَبُوا، فَهَلْ مَلَكَ مِنْهُمْ إِلَّا كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ؟! إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فَمَنْ أَشْرَكَ فِي إِيمَانِهِ أَوْ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ فَلَيْسَ مِمَّنِ اسْتَخْلَفَهُ اللَّهُ وَإِنْ مَلَكَ وَتَسَمَّى بِخَلِيفَةٍ! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يَسْتَخْلِفُهُمْ بِتَغَلُّبٍ أَوِ اخْتِيَارٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، قَالَ: كَذَبُوا، بَلْ يَسْتَخْلِفُهُمْ ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَمْثَالَ آدَمَ وَدَاوُودَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَمَا اسْتَخْلَفَهُمْ بِتَغَلُّبٍ وَلَا اخْتِيَارٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَلَكِنِ اسْتَخْلَفَهُمْ بِوَحْيٍ مِنْهُ، كَمَا أَوْحَى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ، ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا. [الفقرة ٥ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعَ الْمَنْصُورُ قَارِئًا يَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى، فَرَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: اسْمَعُوا! اسْمَعُوا! إِنَّمَا خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى، فَلَا يَغُرَّنَّكُمُ الَّذِينَ يَتَكَلَّفُونَ الْخِلَافَةَ وَهُمْ ظَالِمُونَ! ثُمَّ هَمَسَ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَعْدِمُ خَلِيفَةً مِثْلَ دَاوُودَ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَاوُودَ! [الفقرة ٦ من القول ٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

دروس السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى غايتها تزكية الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة، وأساسها ومحورها القرآن والسنّة، وموضوعها العقائد والأحكام والأخلاق الإسلاميّة، وقد اخترنا منها ما يتعلّق بأهمّ القضايا وأشدّها ابتلاءً في زماننا، ورتّبناها بما يسهّل على القارئ المراجعة والمطالعة، وعلّقنا عليها بذكر المصادر وشيء من التوضيح عند الإقتضاء. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

كلّ درس يتعلّق بقضيّة عقائديّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة، ويتألّف من ثلاثة أبواب:

• الباب الأوّل بيان ما نزل في القرآن ممّا يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى استخرجناها من أقواله الطيّبة، تبيّن معاني الآيات بما يشفي الصدور ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

• الباب الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه نكات دقيقة وتوضيحات مفيدة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى، تبيّن معاني الأحاديث وحال الرواة وأقوال العلماء.

• الباب الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه مثل ما في الباب الثاني. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا قاعدة السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى فهي حجّيّة الخبر المتواتر وعدم حجّيّة خبر الواحد، والخبر المتواتر عنده ما يرويه في كلّ طبقة أكثر من أربعة رجال، بشرط أن لا يكونوا قرناء، ولا يتناقضوا في المعنى، ولا يكون ما يروونه مخالفًا لكتاب اللّه أو الثابت من سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو العقل السليم، وأمّا ما يرويه في كلّ طبقة أربعة رجال فهو عنده في حكم المتواتر أيضًا، بشرط أن يكونوا عدولًا، بالإضافة إلى الشروط السابقة، وهذا ما يوجب النظر في حال الرواة إذا لم يتجاوزوا أربعة رجال، وأمّا النظر في حالهم إذا كانوا أقلّ من ذلك أو أكثر فهو ما يفعله السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى على سبيل الإلزام؛ لأنّ جمهور المسلمين يقولون بحجّيّة خبر الواحد إذا كان ثقة أو صدوقًا، وربما لا يعتبرون خبر خمسة رجال متواترًا، فيختار السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى ما يرويه ثقاتهم وأهل الصدق عندهم ليكون حجّة عليهم ولعلّهم يهتدون. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا شرطه في اختيار الأحاديث، فهو بعد موافقة معناها لكتاب اللّه والثابت من السنّة والعقل السليم، اشتهار رواتها بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم دون مخالفيهم؛ كما يبيّن ذلك بالتفصيل في ترجمة جابر بن يزيد الجعفيّ، فيقول: «الْمُعْتَمَدُ حَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِحَالِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَائِرِ النَّاسِ إِذَا خَالَفَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقَدْ يَقُولُونَ فِيهِ شَنَآنًا لِمَذْهَبِهِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ: <أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟> فَقَالُوا: <خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا>، فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَوَقَعُوا فِيهِ وَقَالُوا: <شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا>، فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُبِلَ قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ يُسِيئُونَ الْقَوْلَ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَا تَرَى الشِّيعَةَ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَرْوِيهِ السُّنَّةُ إِلَّا مَا يَتَّخِذُونَهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَتَرَى السُّنَّةَ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا يَرْوِيهِ الشِّيعَةُ إِلَّا تَعَجُّبًا وَاسْتِهْزَاءً، وَكِلَاهُمَا قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِكُلِّ مَا يَرْوِيهِ الْمُسْلِمُونَ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ دُونَ تَعَصُّبٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ». [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

المعتبر عند السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى هو الإسلام والإشتهار بالوثاقة أو الصّدق عند الأصحاب، ولا اعتبار بالمذهب ولا تضعيفات المخالفين المجرّدة عن دليل مقبول. فإذا كان الرجل من السنّة فالمعتبر حاله عند السنّة، ولا اعتبار بحاله عند الشيعة، وإذا كان الرجل من الشيعة فالمعتبر حاله عند الشيعة، ولا اعتبار بحاله عند السنّة، ولا فرق بين روايات السنّة وروايات الشيعة إذا كانت موافقة للأصول الثلاثة وكان رواتها من المعروفين بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم، ولذلك ترى السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى يختار من روايات الشيعة كما يختار من روايات السنّة، ولا يترك رواية راوٍ لمذهبه، ما لم يكن مذهبه معارضًا للمعلوم من الدّين بالضرورة، فيخرجه من الإسلام؛ لأنّه إذًا لمنافق، والمنافق غير موثوق به في شيء، وإن وثّقه الناس جميعًا. [المقدّمة]

يوجد في التوراة والإنجيل ما يبدو أنّه إشارة إلى الممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام الذي يبعثه اللّه تعالى من المشرق، ليعدّ الطريق لحكومته؛ كما جاء في كتاب إشعياء: «إِنِّي أَنَا اللَّهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرِي. أَنَا اللَّهُ وَلَا إِلَهَ مِثْلِي. أُخْبِرُ عَنِ النِّهَايَةِ مِنَ الْبِدَايَةِ، وَعَنِ الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ قَبْلِ مَا يَأْتِي. أَقُولُ: قَصْدِي يَتِمُّ، وَأَفْعَلُ كُلَّ مَشِيئَتِي. أَدْعُو مِنَ الْمَشْرِقِ رَجُلًا كَطَيْرٍ جَارِحٍ، يَأْتِي مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، فَيُتَمِّمُ قَصْدِي. قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ»، إذ ينبّأ بأنّه «رجل كطير جارح يأتي من أرض بعيدة في المشرق فيتمّم قصد اللّه» وهذه صفة المنصور الذي أخبر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّه يخرج من خراسان، فيدعو إلى خليفة اللّه المهديّ ويخزي الحكّام الظالمين؛ كما جاء في كتاب إشعياء: «قَدْ أَنْهَضْتُهُ مِنَ الشَّمَالِ، فَسَيَأْتِي مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ. يَدْعُو بِاسْمِي. يَأْتِي عَلَى الْحُكَّامِ كَمَا عَلَى الْمِلَاطِ، وَكَخَزَّافٍ يَدُوسُ الطِّينَ. مَنْ أَخْبَرَ مِنَ الْبَدْءِ حَتَّى نَعْرِفَ، وَمِنْ قَبْلُ حَتَّى نَقُولَ: هُوَ صَادِقٌ؟ لَا مُخْبِرٌ وَلَا مُسْمِعٌ وَلَا سَامِعٌ أَقْوَالَكُمْ». بل لا تقلّ هذه الإشارة عن التصريح؛ لأنّ القول بأنّه «سيأتي من مشرق الشمس» معادل للقول بأنّه «سيأتي من خراسان»؛ نظرًا إلى أنّ «خراسان» يعني في اللغة الفارسيّة «مشرق الشمس»؛ حيث أنّه مؤلّف من «خور» بمعنى الشمس و«آسان» بمعنى المشرق كما قاله كثير من أهل اللغة، وعليه لو أردنا أن نترجم العبارة إلى اللغة الفارسيّة، لصحّ أن نقول إنّه «سيأتي من خراسان»؛ لأنّهما مترادفان في اللغة. [السؤال والجواب ٤٢١]

يوجد في التوراة ما يبدو أنّه إشارة إلى لقب المنصور الخراسانيّ الموعود؛ كما جاء في كتاب إشعياء: «مَنْ أَنْهَضَ مِنَ الْمَشْرِقِ الَّذِي يُلَاقِيهِ النَّصْرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ؟ دَفَعَ أَمَامَهُ أُمَمًا وَسَلَّطَهُ عَلَى مُلُوكٍ. جَعَلَهُمْ كَالتُّرَابِ بِسَيْفِهِ، وَكَالْقَشِّ الْمُنْذَرِي بِقَوْسِهِ. طَرَدَهُمْ. مَرَّ سَالِمًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهُ مِنْ قَبْلُ. مَنْ فَعَلَ وَصَنَعَ دَاعِيًا الْأَجْيَالَ مِنَ الْبَدْءِ؟ أَنَا اللَّهُ مِنَ الْأَوَّلِ إِلَى الْآخِرِ، أَنَا هُوَ»، إذ يصف الناهضَ من المشرق بأنّه «يلاقيه النّصر»، فهو لا جرم «منصور» وهذا إن لم يكن إشارة إلى اسمه «المنصور»، فهو وجه تسميته به في الروايات الإسلاميّة؛ لأنّ اللّه تعالى ينصره على الأمم والملوك، حتّى يعدّ الطريق لحكومته؛ كما جاء في زبور داود بعد التبشير بحكومة اللّه تعالى: «الْعَدْلُ يَسِيرُ أَمَامَهُ وَيُمَهِّدُ سَبِيلًا لِخُطُوَاتِهِ»، وجاء في كتاب ملاخي بصراحة: «أَنَا أَبْعَثُ رَائِدِي، لِكَيْ يُعِدَّ الطَّرِيقَ أَمَامِي. ثُمَّ الْمَوْلَى الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ يَأْتِي فَجْأَةً إِلَى بَيْتِهِ»، وجاء في كتاب إشعياء في نعت هذا الرائد: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لِإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلًا. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لِأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ»، وجاء فيه محرّضًا على نهضته التمهيديّة المقدّسة: «وَيَقُولُ اللَّهُ: أَعِدُّوا، أَعِدُّوا وَمَهِّدُوا الطَّرِيقَ، أَزِيلُوا الْعَقَبَاتِ مِنْ طَرِيقِ شَعْبِي»، وجاء فيه مشيرًا إلى رايته المباركة التي وصفها النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بأنّها راية الهدى: «اعْبُرُوا، اعْبُرُوا بِالْأَبْوَابِ، مَهِّدُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا، أَعِدُّوا السَّبِيلَ، نَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ، ارْفَعُوا رَايَةً لِلْأُمَمِ». [السؤال والجواب ٤٢١]

لقد روى الشيعة عن أهل البيت أنّ المهديّ إذا قام حكم بحكم داود وسليمان عليهما السلام، رواها جعيد الهمداني عن الحسين وعليّ بن الحسين، ورواها أبان بن تغلب وحمران بن أعين وحريز بن عبد اللّه وأبو عبيدة الحذاء وعمّار الساباطي وعبد اللّه بن عجلان عن جعفر بن محمّد، ورواها الحسن بن ظريف عن أبي محمّد العسكريّ، وقد بالغ بعض المعاصرين من السنّة في إنكار هذه الرواية وتشنيعها عليهم قائلين بأنّها تدلّ على أنّ مهديّهم ينسخ شريعة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ويحكم بغير حكمه، ولا يخفى على المنصف ما في هذا القول من الجهل والتعسّف؛ لأنّ الرواية ناظرة إلى قول اللّه تعالى إذ مدح حكم داود وسليمان عليهما السلام فقال: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ۝ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا، وقوله تعالى لداود عليه السلام: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فتريد الرواية أنّ حكم المهديّ سيكون في الدقّة والعدالة مثل حكم داود وسليمان عليهما السلام الذي مدحه اللّه تعالى في كتابه، ولا تريد أنّ حكم المهديّ سيكون مخالفًا لحكم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما أنّ حكم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يكن مخالفًا لحكم داود وسليمان عليهما السلام؛ لأنّه إذا كان حكمهما حقًّا لم يكن من الجائز مخالفته، وإذا كان حكمهما غير حقّ لم يكن من الجائز مدحه في كتاب اللّه تعالى، ولذلك جاء في رواية عمّار الساباطي عن جعفر بن محمّد أنّه قال: «بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ آلِ دَاوُدَ وَحُكْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ». [السؤال والجواب ٤٥٧]

قد جاء في ذيل الرواية أنّ المهديّ لا يسأل البيّنة، وهذا ما تعلّق به من لا علم له ولا إنصاف، محتجًّا بأنّ سؤال البيّنة هو أحد أصول القضاء في الإسلام، وعليه فإنّ تركه يعني ترك الإسلام، ولكنّ الحقّ أنّ أصول القضاء في الإسلام لا تنحصر في سؤال البيّنة، وهناك أصول أخرى أحدها القضاء بالعلم، بل سؤال البيّنة يتعيّن إذا لم يكن هناك علم للقاضي، فإذا كان الحقّ معلومًا له باليقين فلا وجه لسؤاله البيّنة في غير حدود اللّه تعالى؛ لأنّ البيّنة تؤدّي إلى الظنّ، والعلم أولى بالإتّباع من الظنّ، وهذا ما ذهب إليه الشافعيّة، وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة ورواية عند الحنابلة، ولم يذهب إليه الآخرون لغلبة الفساد على أهل الزمان واحتمال ظلم القاضي أو إهماله، وهذا الإحتمال غير موجود بالنسبة للمهديّ، وعليه فإنّ مقتضى القاعدة عند جميع المذاهب جواز قضاء المهديّ بعلمه، وهذا هو مراد الرواية؛ كما جاء ذلك مفسّرًا في رواية الحسن بن ظريف عن أبي محمّد العسكريّ؛ فإنّه قال في المهديّ: «إِذَا قَامَ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ»، ومن الواضح أنّ هذا ليس من نسخ الإسلام في شيء؛ لأنّ حكم القاضي بعلمه هو حكم ثابت من أحكام الإسلام، وليس حكمًا محدثًا أو مختصًّا بشريعة داود عليه السلام؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ علم القاضي قد يحصل بطرق معروفة. [السؤال والجواب ٤٥٧]

إنّ الرواية الواردة عن أهل البيت في أنّ المهديّ إذا قام يقضي بقضاء داود عليه السلام ولا يسأل البيّنة لا إشكال فيها من حيث الدلالة، وهذا واضح جدًّا، لولا التعصّب والعناد. وممّا يجب التنبيه عليه أنّه ليس هناك مهديّان أحدهما للشيعة والآخر للسنّة، بل هو مهديّ واحد يختلفون في بعض صفاته لاختلاف رواياتهم، ولو أنّهم انتقدوا على بعضهم البعض بعلم وإنصاف لكان خيرًا لهم وأقرب من أن يصلحهم ويبيّن لهم الحقّ؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. [السؤال والجواب ٤٥٧]

استراتيجيّة المنصور الهاشمي الخراساني لظهور المهديّ وحكومته هي استراتيجيّة شاملة ذات أبعاد أمنيّة وثقافيّة وسياسيّة؛ لأنّه من أجل ظهور المهديّ بمعنى إمكانيّة الوصول إليه، يرى من الضروريّ وجود عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة؛ نظرًا لأنّه يرى أنّ السبب الوحيد لعدم ظهوره بمعنى عدم إمكانيّة الوصول إليه، هو خوفه من القتل أو الأسر، ويعتقد أنّه إذا تمّ ضمان سلامته من قبل هذا العدد من المسلمين فإنّ ظهوره بمعنى إمكانيّة الوصول إليه أمر محتوم. بناء على هذا، فإنّه بمقتضى وجوب التمهيد لظهور المهديّ عقلًا وشرعًا، يسعى لجمع عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي هذا العالم الصدّيق، سيكون ظهور المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كان أمنه مضمونًا، حتّى لو لم تكن حكومته ممكنة؛ إذ ليس هناك تلازم بين ظهوره وحكومته، وظهوره بدون حكومته مفيد أيضًا، بل ظهوره مقدّمة لحكومته؛ لأنّ حكومة من ليس بظاهر صعبة، وعليه فإنّ التمهيد لظهوره مقدّمة للتمهيد لحكومته. [الشبهة والرّدّ ١٦]

يرى المنصور الهاشمي الخراساني أنّ شرط حكومة المهديّ هو اجتماع عدد كافٍ من الناس على إعانته وطاعته، ويعتقد أنّ قيامه بالحكومة سيكون أمرًا محتومًا إذا تعهّد هذا العدد منهم بهذه الإعانة والطاعة؛ لأنّ الحكومة ليست حقًّا للمهديّ فحسب، بل تكليف له أيضًا، بحيث أنّه لو لم يقم بها بعد توفّر الشروط لكان من الحقّ أن يُضرب عنقه؛ كما جاء في الرواية عن عليّ عليه السلام: «وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»؛ نظرًا لأنّه في هذه الحالة سيكون هو المسؤول الوحيد عن جميع المفاسد والمظالم الجارية على الأرض. لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني، بينما يجمع عددًا كافيًا من المسلمين لحماية المهديّ، يجمع عددًا كافيًا منهم لإعانته وطاعته، ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي فريد دهره هذا، ستكون حكومة المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كانت إعانته وطاعته مضمونة، وهذا الضمان يسمّى في الإسلام «البيعة». لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني يأخذ من مسلمي العالم بيعة للمهديّ؛ بمعنى أنّه يأخذ ميثاقهم أنّه مهما جاءهم المهديّ سيعينونه ويطيعونه، ولا يخذلونه ولا يعصونه كما فعلوا مع خلفاء اللّه من قبله، وبالتالي إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على الإعانة والطاعة للمهديّ سيتحقّق لهم حكومته بإذن اللّه؛ كما إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على حماية المهديّ سيتحقّق لهم ظهوره بإذن اللّه. هذه خطّة كاملة ودقيقة صادرة من العقل توافق كتاب اللّه وسنّة نبيّه ولذلك، كلّ من استنكف عن قبولها فهو في ضلال بعيد. [الشبهة والرّدّ ١٦]

إنّ المنصور الهاشمي الخراساني، لا يدعو إلى «نفسه»، بل يدعو إلى «المهديّ» بأوضح طريقة ممكنة؛ لأنّ دعوته إلى التضامن من أجل حماية «المهديّ» وإعانته وطاعته، لا تعتبر بأيّ تقرير دعوة منه إلى «نفسه»، وتسميتها بالدّعوة إلى نفسه تشبه تسمية النهار بالليل، وهي مجرّد تحكّم وتعسّف في التسمية. إنّما يدعون إلى أنفسهم الذين يرون لأنفسهم حقًّا في الحكومة، ويفرضون على الناس حمايتهم وإعانتهم وطاعتهم، ولا همّ لهم سوى صيانة حكومتهم، أو عبّاد أنفسهم الذين قد انغمروا في مستنقع الإدّعاءات، ولا حديث لهم إلا «أنا كذا وكذا»، ولا يهتمّون بشيء سوى إثبات مقاماتهم المزعومة؛ الذين يقرنون أنفسهم بخلفاء اللّه ويتسمّون بأسمائهم، في حين أنّهم أهون على اللّه من الخنافس! [الشبهة والرّدّ ١٦]

إنّ «حكومة الفقيه» لا يمكن أن تكون مصداقًا لـ«حكومة اللّه»؛ لأنّ الفقيه ليس هو اللّه ولا خليفته في الأرض، وعليه فإنّ تسمية حكومة الفقيه بحكومة اللّه هي كذب على اللّه وعلى الفقيه! المصداق الوحيد لحكومة اللّه هو حكومة خليفته في الأرض، وإن كان من الصعب تأسيس حكومة خليفته في الأرض، فلم يكن من السهل تأسيس حكومة الفقيه أيضًا؛ لأنّ تأسيس كلّ حكومة يحتاج إلى التمهيد، والتمهيد لكلّ حكومة صعب. فهل هؤلاء يطيقون التمهيد لحكومة الفقيه، ولا يطيقون التمهيد لحكومة خليفة اللّه في الأرض؟! ما هذا إلا السفالة وقصر الفكر والسفه الذي قد نفذ إلى قعر ضمائرهم؟! كلّما يُدعون إلى حكومة أحدهم ليؤسّسوها، يهرعون إليها وهم يستبقون، بل «يتخلّون عن كلّ شيء ويعتصمون ويباشرون الإضراب ويعلنون أنّهم لن يوقفوا إضرابهم واعتصامهم» حتّى ينال صاحبهم الحكومة، ولكن إذا يُدعون إلى حكومة المهديّ ليؤسّسوها يمتنعون ويعتذرون، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، يقولون على سبيل التعجّب والإنكار: «هل يجب أن يتخلّوا عن كلّ شيء ويعتصموا ويباشروا الإضراب ويعلنوا أنّهم لن يوقفوا إضرابهم واعتصامهم حتّى يظهر المهديّ وينال الحكومة؟!» فويل لهم! على افتراض أن الأمر كذلك، ألا يفعلون ذلك للآخرين؟! فلم يبخلون به عن المهديّ؟! هل المهديّ أهون عليهم من الآخرين؟! في حين أنّه أولى بالحكومة عليهم من الآخرين، وينبع من حكومته عليهم كلّ خير وبركة وعدل وسعادة! [الشبهة والرّدّ ١٦]

الإجتهاد بمعنى طلب العلم بالدّين، ليس شغلًا أو تخصّصًا مثل الطبّ والهندسة يمكن لمن يحبّه الدخول فيه ويمكن لمن لا يحبّه تركه، بل هو واجب دينيّ مثل الصلاة والصوم وسائر الأعمال التي تعتبر فريضة على كلّ مسلم؛ لأنّ الإنسان لم يُخلق ليأكل وينام، بل ليعبد اللّه؛ كما قال عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وعبادة اللّه هي امتثال أمره وإن كان فيه مشقّة، وأحد ما أمر به طلب العلم بدينه وعدم اتّباع الظنّ فيه؛ كما قال: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ وقال: ﴿وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. لذلك، يجب على كلّ مسلم أن يطلب العلم بعقائد الدّين وأحكامه، ولا يتّبع الظنّ في شيء منها، وهذا ممكن من خلال رجوعه المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه؛ لأنّ رجوعه غير المباشر، بمعنى تقليده لغير المعصومين، لا يجعله يعلم عقائد الدّين وأحكامه، وإنّما يخلق له ظنًّا؛ باعتبار أنّ توافق فتاوى غير المعصومين مع عقائد الدّين وأحكامه ليس قطعيًّا، بل هو ظنّيّ، وعليه فلا مفرّ من الرّجوع المباشر إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، وإن كان يكره ذلك؛ لأنّه كم من شيء يكرهه الإنسان وهو ضروريّ له؛ مثل الدواء الذي يكرهه المريض ولا بدّ له من تناوله؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وقال: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا. [الشبهة والرّدّ ١٧]

مفتاح الهداية
الحرّ ناصر المهدي

عباد اللّه! ها نحن إخوة لكم، ندلّكم إلى خيرٍ عظيم، ونورٍ متّقد شعّ من قلوب رحيمة تحبّ لإخوانها ما تحبّ لأنفسها، فإن عملتم بهدى هذه الآية الكريمة، والبشرى الموجودة فيها، وتمسّكتم بسنّة اللّه في الهداية، واستمعتم لقولنا بإنصاف، ستجدونه مطابقًا لكتاب اللّه والسنّة النبويّة المتواترة والعقل السّليم. فإذا وعيتموه واتّبعتموه في الممارسة العمليّة، ستهتدون إلى صراط مستقيم يخرجكم من ظلمات هذه الدنيا الغرور، ويرفع منزلتكم في الآخرة. اعلموا أنّ إخوة لكم قد قاموا يريدون نبذ الباطل عن أعناق المسلمين، ويرمون لرمي الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والدنيويّة والتعصّب والتكبّر والخرافات بجمرات الإيمان والتوحيد وعلم اليقين، ويسارعون في الدّعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبذلون أقصى جهدهم في التمهيد لظهور خليفة اللّه في الأرض، آخذين بما لا يرقى إليه شكّ من كتاب اللّه تعالى وسنّة نبيّه المتواترة والعقل السّليم؛ فعاضدوهم وساعدوهم في ذلك، وفقًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. [الملاحظة ٤]

مفتاح الهداية
الحرّ ناصر المهدي

عباد اللّه! إنّ من يستمع قول الحقّ ويتّبعه فقد اتّبع هدى اللّه تعالى، ومن رام وراء الحقّ شيئًا لن يجد إلا الضلال، كما قال اللّه تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ. أمّا نحن فقد استمعنا إلى مناد يقال له المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، فوجدنا ما يقوله حقًّا؛ لأنّه كان مطابقًا لكتاب اللّه تعالى وسنّة نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواترة والعقل السّليم، وإن كان مخالفًا لكثير من تصوّراتنا وأهوائنا الدّنيويّة، فاتّبعنا الحقّ ولم نقلّد المنادي؛ لأنّ المنادي لم يدعنا إلى نفسه، ولم يكلّمنا بدون دليل أو بدليل غير قطعيّ حتّى نكون مقلّدين في اتّباعه؛ بالنظر إلى أنّه لا يرى التقليد جائزًا كما يرى أحبار هذه الأمة، ولا يريد لنفسه جاهًا أو منصبًا أو مالًا أو كرسيًّا أو صلة سلطانٍ أو حكومة، كما يريد رهبان هذه الأمة، ولكنّه يدعو إلى اللّه وخليفته بالحكمة والموعظة الحسنة، وأنّ له أثرًا بليغًا في البيان، وبطنًا من العلم عظيمًا، قد غفل عنه المسلمون بقعودهم، وقد استوعب بعض هذا العلم كتابٌ له مسمّى بلا هزل أو جهل باسم «العودة إلى الإسلام»؛ لأنّ المسلمين بعد أن أصبحوا طوائف ومذاهب ومدارس لن يهتدوا السبيل إلا إذا عادوا إلى الإسلام من بابه الذي أغلقوه على أنفسهم؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ. ها أنتم قد عرفتم سرّنا ونحن قد سلّمناكم شهد كنزنا، فما أنتم فاعلون؟ هل تسعون الى اتّباع الحقّ عبر الإطّلاع على كتاب «العودة إلى الاسلام» والتعرّف على هذه النهضة الإسلاميّة المباركة بقيادة هذا المنادي الصادق، أم تقعدون في أماكنكم التي طال قعودكم فيها ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا؟! [الملاحظة ٤]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

وقت غريب. لا يفهم المرء مزاج أهل اليوم وأخلاقهم. لقد تغيّروا وليس من الواضح في أيّ وادٍ يهيمون وماذا يطلبون. ما هو معيارهم وما هي مفضّلاتهم وآمالهم. لقد تغيّرت وانقلبت سلائقهم وأذواقهم؛ لا يستمتعون بالأشياء الحسنة والمفيدة ويبتعدون عنها، ولكن يظهرون الشوق إلى الأشياء السيّئة والضارّة ويقبلون عليها. يكرهون ما فيه خير لهم ويفرّون منه، ولكن ينجذبون إلى ما فيه شرّ لهم ويلتحقون به. إن جاءهم شيطان مريد مع ألف تلبيس وادّعاء باطل وأراد نهب أموالهم وأنفسهم يتعشّقونه ويتّبعونه، ولكن إن أتاهم عالم ناصح لا يدّعي لنفسه شيئًا مع علم وافر وحكمة ظاهرة وأراد إرشادهم إلى سبيل السعادة، يحقدون عليه ويقفون في وجهه ويحادّونه! حقًّا لقد حان آخر الزمان؛ العصر المقلوب؛ العصر الذى كان الأسلاف يخشونه ويعوذون باللّه منه! إذا نظرت إلى ما حولك رأيت أمثلة كثيرة على هذه الحالات، وكان منها عرض محزن شاهدته في هذه الأشهر الماضية. قبل بضعة أشهر قرأت كتابًا علميًّا وإسلاميًّا اسمه «العودة إلى الإسلام» من عالم كبير اسمه المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، فوجدته كتابًا مفيدًا ومهمًّا ورائعًا للغاية، فأردت أن أقدّمه إلى بعض من أعرفهم ليقرؤوه ويستفيدوا منه كما فعلت، لكنّني رأيت ردود فعل مربكة منهم جعلت صدري ضيّقًا. يا له من أمر عجيب أن تقول لمن يشكو دائمًا انحطاط المجتمعات وانحراف المذاهب وسوء أعمال المسلمين أن اقرأ هذا الكتاب لتعرف العلّة الرئيسيّة لهذه المصائب، فيقول لك: إنّي مشغول ولديّ مشاكل!! فتقول: إنّ حلّ مشاكلك ومشاكل المسلمين كلّها في هذا الكتاب، فيقول: سأقرأه إذا سنحت لي فرصة!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا التناقض! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا له من أمر مؤلم أن تعطي هذا الكتاب لمن يبدو أهل دراسة وبحث ويدّعي أنّه طالب علم وتقول له: اقرأه، فإنّه أنفع كتاب يمكن أن تقرأه في حياتك، فيقول لك: ما اسم مؤلّفه؟! ما هو مذهبه؟! ما هي درجته؟! أين درس ومن صدّقه من العلماء المشهورين؟! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الهامشيّة والسطحيّة! يا له من أمر مدهش أن تسأل عالمًا وهو أهل التدريس والوعظ، عن هذا الكتاب المليء بالآيات القرآنيّة والأدلّة العقليّة، فيقول لك: إنّي أعطيت هذا الكتاب لمن يعرف الرمل والجفر والطلسمات ويقرأ أفكار الناس وله عين برزخيّة، فقال: هذا الكتاب احتيال!!! سبحان اللّه! صاحب الرمل والجفر والطلسمات الذي يدّعي علم الغيب وقد أقام دكّانًا لقراءة أفكار الناس، لا يُعتبر محتالًا، ولكن مؤلّف كتاب علميّ مستند إلى القرآن والسنّة، يُعتبر محتالًا!!! وذلك أيضًا بحكم صاحب الرمل والجفر والطلسمات!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الرؤية المقلوبة! يا له من أمر مؤسف أن تعطي الكتاب لرجل ليقرأه ويرى ما فيه من الحقّ الواضح بعينيه، فقبل أن يفتح الكتاب يذهب به إلى شيخه ليقول له هل يقرأه أم لا!!! فيقول له شيخه: أنا أعرف صاحب هذا الكتاب (يعني المنصور الهاشمي الخراساني)! هو دجّال بالعراق، اسمه أحمد الحسن اليماني!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الحماقة! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا له من أمر مرعب أن تعرف رجلًا مولعًا بشراء الكتب وقراءتها -وما أكثرها إلا ظنون وأوهام-، فإذا أعطيته هذا الكتاب المستند إلى الأدلّة اليقينيّة مجّانًا، تقلّب مزاجه وجاءه كلّ ضعف وكسل! لأنّه بعد شهر وبضعة أيّام لم يجاوز الصفحة ٩٠ من الكتاب، وهو لا يطيق أن يواصل قراءته!! فتسأله عن ذلك فيقول: لم أجد فيه شيئًا مهمًّا!!! وكان فيه أخطاء كثيرة!!! فتقول: اذكر لي واحدًا من أخطائه! فيقول: مثلًا قد رفض تقليد العلماء، وأنكر ولاية الفقيه، وقال أنّ أئمّة أهل البيت لم يكونوا يعلمون الغيب!!! أظنّ أنّ مؤلّفه رجل وهّابيّ!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا الجهل المركّب! يا له من أمر مسيء أن تقدّم الكتاب إلى صديقك القديم اعتبارًا لهذه الصداقة وحرصًا على سعادته لعلّه يعرف ما خفي عليه من الحقّ ويهتدي إلى الدّين الخالص، ولكنّه يقطع علاقته معك بالكامل، كأنّه قد وقف على شبكة تجسّس أو واجه خطرًا رهيبًا!!! فتسأل عنه بعض جلسائه فيقولون: كان يذكرك، فيقول فلان قد تشيّع وأصبح رافضيًّا!!! أعطاني كتابًا فيه أنّ آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وأنّ طاعة أهل البيت واجبة لقول النّبيّ: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا العناد والتعصّب المذهبيّ! إنّا للّه وإنّا إليه راجعون! لو خرّت عليك السماء خير من أن ترى هذه المواجهات المريضة والمربكة من هؤلاء المدّعين للإسلام مع هذا الكتاب الإسلاميّ العظيم! [الملاحظة ٧]